معين: هي قبيلة ومملكة عربية جنوبية، بلغت أوجها خلال النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد. بدأت معين كقبيلة صغيرة في قرناو أسفل وادي مذاب (حالياً: وادي الجوف) منذ وقت مبكر من القرن الثامن قبل الميلاد. واعتباراً من بداية القرن السادس قبل الميلاد شكلت معين دولة مدينة مستقلة على الرغم من صغر أراضيها. وفي القرن الخامس ق م، اتحدت قبيلة معين مع قبيلة ذي يثل لتشكل بذلك مملكة معين الشهيرة. وقد بلغتنا أخبار مملكة معين من الكتابات المدونة بالمسند، والكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية.
ظهر اسم معين لأول مرة في نقوش جنوب الجزيرة العربية في نقش سبئي حوالي 740 ق م - 730 ق م.ومن نفس الفترة تقريباً يعود ذكر غير مباشر لمعين، عندما تم تمثيل معبودها الوصي نكرح، إلى جانب آلهة قبائل وادي مذاب وقبيلة سبأ في معبد أرنيدع في نشان.تلك التواريخ تؤكدها تراكمات طبقات مدينة قرناو التي يصل ارتفاعها إلى 8 أمتار وتعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد. كانت معين آنذاك قبيلة صغيرة، ويحدها في الجنوب الشرقي أراضي إنبا، ومن الشمال هرم، وغرباً نشان، وإلى الجنوب منها سبأ. ومن المؤكد أن مدينة قرناو ازدهرت في وقت مبكر من القرن الثامن قبل الميلاد. وكانت المدينة آنذاك مجرد مركز قبلي وسياسي صغير غير محصن.
لم تذكر معين ضمن أعداء سبأ في نقوش المكاربة المؤسسين يثع أمر وتر وكربئيل وتر، وغياب أي ذكر لمعين في الحملات العسكرية التي قادها المكاربة السبئيون الأوائل، يشير إلى أن معين آنذاك كانت حليفًا لسبأ.تم تأكيد التحالف من خلال نقش معيني من قرناو في بداية القرن السابع قبل الميلاد، يشير إلى المؤاخاة القبلية بين زعماء معين وسبأ وحكامها يثع أمر بين الأول وذمار علي، ومع ذي نشان وحاكمها "يقه ملك". ويظهر من النص تبعية قرناو إلى نشان، قبل أن ينشأ كيان معين السياسي، وحلف الطرفان مع سبأ القوة الأكبر سياسياً واقتصادياً في ذلك الوقت. يبدو أن قبيلة معين في هذا الوقت، لم تشكل أي خطر تجاه سبأ في السيطرة على طريق القوافل الذي كان يمر من وادي الجوف.وعلى النقيض من ذلك، فقد تعرضت مملكة نشان لحملات عسكرية سبئية في عهد كربئيل وتر أواسط القرن السابع قبل الميلاد، بسبب محاولتها توحيد مدن الجوف، والوقوف ضد الزحف السبئي للسيطرة على بقية قبائل جنوب العربية الجنوبية.
من القرن السابع إلى الخامس قبل الميلاد تقريباً، كانت معين تحت النفوذ السبئي. ومع أفول القرن الخامس قبل الميلاد تفقد مملكة سبأ سيطرتها على بقية الممالك المجاورة. وتنطوي صفحة من صفحات تاريخ قبائل وممالك جنوب الجزيرة العربية والهيمنة السبئية - التي دامت قرابة ثلاثة قرون - وتفتح صفحة جديدة متميزة بالنشاط التجاري المكثف بين ممالك جنوبي جزيرة العرب - خصوصاً مملكة معين - وبين مدن سواحل حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقية. خلال العصر الأخميني والهلنستي، استطاعت هذه القبيلة الصغيرة من الهيمنة على تجارة اللبان العربي إلى غزة، وصيدا، وصور، ومصر، واليونان، وبلاد الرافدين.تزوج رجال النخبة التجارية من زوجات من قبائل ومدن المناطق الواقعة على طول طريق تجارة القوافل عبر الجزيرة العربية: ذاكر، هجر، لحيان، دادان، يثرب، قيدار، غزة، صيدا، الحضر، مصر، إيونية، والروم.
هيمنة معين على الطريق التجارية بين الجنوب والشمال، وأقام منها جاليات تجارية في الأسواق المهمة: تمنع، وشبوة، والفاو، ودادان، ومصر، وديلوس؛ وهو ما تؤكده النقوش المعينية.وكانت الجاليات التجارية في الخارج، تدار من قبل نائب الملك المسمى "كبير معين"، كما هو الحال في قتبان ودادان (حالياً: العلا). وكان أمن القوافل يعتمد على التحالفات والاتفاقات المبرمة مع القبائل شبه البدوية التي تسيطر على الأراضي الممتدة من يَثْرِب إلى دَادَان وتَيْمَاء وبلاد الأنباط ومن قرية الفَاو إلى جَرْهَا.نظام الحكم عند المعينيين ملكياً، وكثيراً ما كان الملك يشرك معه آخر في الحكم، وغالباً ما يكون بينهم صلة قربى. وقد يطول الزمن ببعض الملوك، فنراهم يشركون معهم في الحكم ثلاثة وأحياناً أكثر، يهلكون أو يستبدلون والملك باقٍ. ويساعد الملك في الحكم مجلس استشاري يدعى "المساودة" له سلطات واسعة. ويبدو أن الملك، الذي كانت تساعده مجالس مختلفة، لم يكن يتمتع إلا بسلطات محدودة. فلم يكن يسك النقود قط، ولم يكن مسؤولاً عن بناء الأسوار المحصنة للمدن الرئيسية، وظل هذا من اختصاص الأسر الكبرى.
كانت مملكة معين تشبه إلى حد كبير "دولة التجار"، التي كانت تسيطر على شبكات تحالفات مختلفة، كما كانت مكة عشية الإسلام. وعلى النقيض من مملكة سبأ وقتبان وحضرموت، لم تكن مملكة معين تمتلك سوى القليل من القوة السياسية أو العسكرية، ولم تحتفي النقوش المعينية قط بالمآثر العسكرية، ولا يبدو أن المملكة اكتسبت جيش على الإِطلاق.وبخلاف ممالك سبأ وقتبان وحضرموت لم يتخذ حكام معين قط لقب مكرب (موحد)، وهو ما يعني أنهم لم يدْعُو أبدًا الهيمنة على جنوب الجزيرة العربية.كان للمعينيين آلهات يقيمون لها المعابد، ومعبودهم القومي هو "نكرح". إلى جانب عبادتهم عثتر وَود، هاتين الإلهتين التي يتشارك عبادتها معظم القبائل في جنوب الجزيرة العربية بالتساوي، وبذلك كان للمعينيين ثالوث (نكرح، عثتر ذو قبض، وود). وفي وقت التحالف مع سبأ، كان المعينيين يستدعون الإلهات السبئية (ذات حميم، إيل مقه، وعثتر ذو ذبيان) إلى جانب آلهتهم. أما في عهد التحالف مع حضرموت وقتبان فلم يستدعوا آلهات تلك المملكتين، مما يعني أنه تحالفاً تجارياً وسياسياً، على النقيض من التحالف مع سبأ الذي كان هيمنة ونفوذ.