الدليل الشامل لـ المعتصم بالله

المعتصم بالله () (180- 227 هـ / 796- 842 م) هو أميرُ المُؤمِنين وخَليفةُ المُسْلِمين المُثمَّن المُجاهد الإمام أبو إسحاق المُعْتَصِم بالله مُحمَّد بن هارون الرَّشيد بن مُحمَّد المَهْدي بن عبد الله المَنْصُور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله القُرَشيُّ الهاشِميُّ العبَّاسيُّ، المعروف بلقبه الكامل المُعْتَصِم بالله أو اختصارًا المُعْتَصِم. وثامن خُلفاء بني العبَّاس، والخليفة السَّابع والعشرون في ترتيب الخُلَفاء بعد النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم. حكم الدَّولة العبَّاسية ثماني سنين وثمانية أشهر من 218 إلى 227هـ/ 833 إلى 842م.

وُلد المعتصم في قصر الخُلد ببغداد لأمٍّ تركية هي ماردة بنت شبيب. ونشأ على النقيض من أخويه المثقفين الأمين والمأمون، إذ كان قليلَ الإقبال على العلم والأدب، منصرفًا منذ صباه إلى الفروسيَّة وشؤون الحرب، حتى قيل إنه كان شِبه أُمِّي. لم يُعِدَّه والده الرشيد للخلافة، وأبقاه بعيدًا عن ترتيب ولاية العهد، فظلَّ على هامش الأحداث السياسية الكبرى في خلافة أبيه، وفي الحرب الأهلية التي نشِبَت بين أخويه.

بدأ نجمه بالصعود في خلافة أخيه المأمون، الذي رأى فيه الكفاءة العسكرية والولاء، فأسند إليه مسؤوليات أكثر أهمية. ففي سنة 200هـ/ 815م قاد قافلة الحج. وحين ثار عمُّه إبراهيم بن المهدي وعموم العبَّاسيين في بغداد سنة 202هـ/ 817م، انضمَّ المعتصم إلى عمه، قبل أن يتفرَّق أتباعه بعد سنتين وتستقيم الأمور للمأمون، فعفى الأخير عن عمِّه وعن أخيه. كُلِّف إخمادَ تمرُّد في تيماء الشام بنفسه، فقتل أكثر الثائرين سنة 204هـ/ 819م. بلغ ذروةَ نفوذه قبل الخلافة حين ولَّاه المأمون على مصر والشام سنة 213هـ/ 828م، وأظهر حزمًا وقدرة عسكرية فائقة في القضاء على ثورة الحوف بنفسه سنة 214هـ/ 829م، معتمدًا اعتمادًا كبيرًا على جنده الأتراك الذين بدأ بجمعهم حوله. شارك المعتصم أخاه المأمون في حمَلاته الجهادية الأخيرة على الرُّوم، وأصبح ذراعَه اليُمنى والمساعدَ الأقرب إليه، حتى حضر وفاته على ثغور الروم سنة 218هـ/ 833م.

تولَّى المعتصم الخلافة بوصيةٍ من أخيه المأمون، ولُقِّب بالمُعتصم بالله، إلا أن بداية عهده شهدت تحدِّيًا فوريًّا حين طالب بعض الجند بالخلافة لابن أخيه العبَّاس، لكنه حسم الموقف بذكاء حين بادر العباس نفسه بمبايعته. واجه المعتصم تحديات داخلية خطيرة ورثها عن سلفه، أولها ثورة علوية في خراسان بقيادة محمد بن القاسم العلوي في سنة 219هـ/ 834م، غير أنها أُخمدت سريعًا. ثم أنهى تمرُّد الزط الذي شلَّ الحركة التجارية في جنوبي العراق، فقضى على ثورتهم وأجلى الآلاف منهم عن الأهوار في سنة 220هـ/ 835م. وجَّه المعتصم كل قوة الدولة نحو الخطر الأكبر، وهو ثورة بابك الخُرَّمي في أذربيجان التي انطلقت قبل عشرين عامًا، فعيَّن قائده الداهية الأفشين الذي تمكن بعد حرب استنزاف طويلة من القضاء على بابك وإعدامه سنة 223هـ/ 838م.

بلغت قوة المعتصم العسكرية ذروتها في حملته الشهيرة على الروم ردًّا على اعتدائهم على مدينة زبطرة، فجهَّز جيشًا جرارًا لم تشهد له الخلافة مثيلًا، وهزم الإمبراطور توفيل في معركة أنزن، وأحرق أنقرة ثم زحف نحو أمنع حصون الروم عمورية، ففتحها ودمَّرها سنة 223هـ/ 838م في وقعة شهيرة خلَّدها الشاعر أبو تمام في قصيدته (السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتب). لم يتمكَّن المعتصم من مواصلة زحفه نحو القسطنطينية بسبب كشفه لمؤامرة خطيرة دبَّرها ابن أخيه العباس وعدد من القادة العرب والخُراسانية عليه، فانتقم منهم وقتلهم. واجه المعتصم في أواخر خلافته تمرُّد مازيار في طبرستان سنة 224هـ/ 839م، وكشف مؤامرة الأفشين فحاكمه وأعدمه عطشًا سنة 226هـ/ 841م، وتمرُّد المبرقع اليماني في فلسطين سنة 227هـ/ 841م، فقضى عليهم جميعًا.

أحدث المعتصم على الصعيد الداخلي، تغييرًا جذريًا في بنية الدولة بسياسته في تتريك قسم كبير من الجيش، فقد استكثر من شراء الغلمان الأتراك وجعلهم القوة العسكرية الأساسية للدولة، مما أضعف نفوذ العرب والخراسانية والفرس، وسياسة التوازن بين الفِرَق منذ خلافة أبي العباس، غير أنه أنشأ تشكيلًا جديدًا عُرف باسم المغاربة. أدى هذا التغيير إلى صِدام حادٍّ بين الأتراك وأهل بغداد، دافعة المعتصم لاتخاذ قراره التاريخي ببناء عاصمة إدارية وعسكرية جديدة، هي سامراء، سنة 221هـ/ 836م، التي أصبحت مركزًا للخلافة لنصف قرن. استمر المعتصم في سياسة أخيه المأمون في فرض القول بخلق القرآن على الفقهاء والعلماء في اجتهاد ديني يُفضي لتوحيد الرأي، لكن تميز أسلوبه بالقسوة، وتجلَّى ذلك في تعذيبه للإمام أحمد بن حنبل لرفضه الإقرارَ بخلق القرآن، ثم أطلق سراحه.

عُرف المعتصم بقوته الجسدية الكبيرة، وبشجاعته التي ضُربت بها الأمثال، وهيبته التي ملأت قلوب أعدائه رعبًا، لكنه في الوقت نفسه كان كريمًا وفكِهًا في مجالسه الخاصَّة. ومع أنه لم يكن عالمًا كان حازمَ الرأي، يقدِّر الكفاية، ويؤمن بالعمران والتنمية أساسًا لقوة الدولة. اشتهر بلقب المُثَمَّن لارتباط الرقم ثمانية بالعديد من محطات حياته المهمة.

توفي المعتصم في سامراء بعد علة أصابته، ودُفن في قصر الجوسق سنة 227هـ/ 842م، تاركًا وراءه دولةً قوية عسكريًّا ومستقرة سياسيًّا، لكن سياسته في الاعتماد على الأتراك حملت في طياتها بذور الضعف، فقد ازداد نفوذهم في خلافة ابنه ووليِّ عهده هارون الواثق بالله، ثم ظهر لاحقًا في خلافة ابنه الآخر جعفر المتوكل على الله الذي حاول تقليص نفوذهم غيرَ أنهم قتلوه، لتبدأ لاحقًا سيطرةُ الجند على الخلفاء في حقبة عصيبة مرت بها الدولة العباسية لعشرة أعوام، عُرفت بفوضى سامراء. يُعَد المعتصم الجدَّ الجامع لجميع خلفاء بني العباس الذين أتَوا من بعده حتى نهاية الخلافة العباسية في العراق على يد المغول سنة 656هـ/ 1258م، ونهاية الخلافة العباسية في القاهرة برعاية الدولة المملوكية سنة 923هـ/ 1517م نتيجة لانهزام المماليك ونهايتهم على يد العثمانيين.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←