حقائق ورؤى حول يهود بلاد السودان

يهود الساحل، الذين عُرفوا قديمًا بيهود بلاد السودان (بالعربية اليهودية : אֲהַל יְהוּד בִּלַד אַל-סוּדָּן، معرّبًا: أهل يهود بلاد السودان)، كانوا من بين الجماعات التي استوطنت غرب أفريقيا في عهود كانت تعجُّ بالحركة والتبادل التجاري، حيث شقّت هذه الجماعات طريقها عبر الصحارى والبراري، باحثة عن أسواق جديدة للتجارة، حاملين معهم إرثهم الثقافي، وشرائعهم الموسوية، ولغتهم العبرية التي كانت تُتلى بها أسفارهم المقدسة وتراتيلهم في الصلوات اليومية.

هؤلاء اليهود، الذين ارتبطوا بجماعات يهودية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاجروا في موجات متعاقبة إلى تلك البلاد، إذ كانت إمبراطوريات غانا ومالي والموسي والصنغاي، التي دُعيت ببلاد السودان، تُمثّل مراكزَ تجارية نابضة بالحياة، تجذب التجار من مختلف الأجناس والأديان. وقد كانت تلك الجماعات اليهودية تُقيم في مدن استراتيجية على طول طرق القوافل، حيث كان الذهب والملح، إلى جانب التوابل والعاج، تشكّل عصب التجارة العابرة للصحراء الكبرى.

وفي أنثروبولوجيا تلك الجماعات، نجد تفاعلاً فريدًا مع الثقافات المحيطة، حيث حافظ يهود بلاد السودان على تقاليدهم المميزة، بما فيها حفظ النسب عبر أسماء عبريّة خالصة، وتوارث المهارات الحرفية التي عُرفت بها بعض العشائر اليهودية. ووردت في المصادر التاريخية إشارات إلى أنهم كانوا يتكلمون لهجات محلية إلى جانب العبرية والآرامية.

وقد وثّقت الكتابات العربية القديمة، من أمثال الإدريسي والمسعودي، إشارات إلى وجودهم في المراكز الحضارية الكبرى، مشيرين إلى ممارساتهم التجارية ودورهم في مد الجسور الثقافية بين العالم الإسلامي وأقاليم أفريقيا جنوب الصحراء. كما أوردت بعض الروايات أنهم كانوا يتبعون طقوسًا صارمة في العبادة، تُميّزهم عن القبائل المجاورة، وكانوا يكتبون سجلاتهم بخط عبريّ فصيح.

وفي أعقاب الأزمان المتلاحقة، شقت جماعات يهودية مضطهدة طريقها عبر البراري والبحار، حيث هاجر اليهود الذين طُردوا من إسبانيا والبرتغال، كما هاجر اليهود المغاربة، نحو مجتمعات جديدة قامت على السواحل الغربية لأفريقيا، عند مصبات الأنهار الكبيرة التي تطل على سواحل السنغال، وكذلك على جزر الرأس الأخضر، التي غدت آنذاك ملاذًا للتجار والمهاجرين الباحثين عن الاستقرار والأمان.

وقد أسس هؤلاء المهاجرون مجتمعات حية، تميزت بطابعها اليهودي الفريد، حيث جلبوا معهم حِرَفهم اليدوية المتقنة، ومعارفهم التجارية الواسعة، إضافة إلى تراتيلهم العبرية التي كانت تتردد في مجامعهم، وحروفهم العريقة التي خطّوا بها سجلات حياتهم اليومية وشؤونهم الروحية. كانوا يعبرون البحار بسفنهم المحمّلة بالبضائع، ويتنقلون بين مرافئ التجارة، مما جعل تلك المجتمعات تمثل نقاطًا محورية في شبكات التبادل التجاري الممتدة عبر المحيط الأطلسي.

لكن، ومع مرور الزمن وتقلب الأحوال، أصاب هذه الجماعات ما أصاب غيرها من الشتات اليهودي، إذ تبدلت الظروف الاجتماعية، واشتدت عليهم وطأة الاضطهاد بفعل القوى الاستعمارية والتحولات السياسية المحلية التي عصفت بتلك المناطق. ومع الهجرة القسرية المتزايدة والاندماج التدريجي في المجتمعات المحيطة، تلاشت تلك المجتمعات شيئًا فشيئًا، حتى غدت ذكرى تطفو على سطح صفحات التاريخ.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←