مَمْلَكَةُ مَلِيحَةَ هي حضارةٌ عربيةٌ قديمة نشأت في منطقة مليحة بإمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتُعَدّ من أهم المواقع الأثرية في شبه الجزيرة العربية. تمثّل هذه المملكة كنزًا أثريًا فريدًا يوثّق تطوّر الحياة الإنسانية في المنطقة عبر آلاف السنين، إذ تحتوي على سجلٍّ متصلٍ للحضارات منذ العصر الحجري القديم، مرورًا بالعصرين الحديث والبرونزي، فالحديدي، وصولًا إلى مرحلة ما قبل الإسلام، وهو تسلسلٌ زمني نادر الوجود في موقعٍ واحد.
تُظهر المكتشفات الأثرية أن مملكة مليحة كانت تمتلك نظامًا سياسيًا وإداريًا وماليًا متطورًا، إلى جانب معتقداتٍ وطقوسٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ متعدّدة عكست نمط الحياة السائد في تلك الفترة. كما تكشف النقوش واللقى المكتشفة عن حضارة راسخة ازدهرت منذ أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، وارتبطت بعلاقاتٍ تجاريةٍ واسعة مع المناطق المجاورة في الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وبلاد فارس.
لا تزال الحقبة المرتبطة بمدينة مليحة في القرن الثالث قبل الميلاد موضع بحث ودراسة بين علماء الآثار، إذ لم تتضح بعد الظروف الدقيقة لنشوء هذا الموقع الحضاري أو أصول سكانه الأوائل أو الأسباب التي أدت إلى ازدهاره ثم تراجعه لاحقًا. وتشير الأدلة الأثرية إلى وجود مظاهر دمار واحتراق في بعض أجزاء الموقع، إلى جانب تشويه في بعض النقوش والكتابات الجنائزية، مما يوحي بحدوث اضطرابات أو صراعات في نهاية تلك الفترة. كما عُثر على قبور خالية من البقايا البشرية، الأمر الذي لا يزال يثير تساؤلات حول مصير السكان بعد تدمير المملكة.
أما قبور الجِمال المكتشفة في الموقع، فيُرجّح أنها ترتبط بمعتقدات دينية سائدة آنذاك، من بينها الإيمان بالحياة بعد الموت، حيث كان يُعتقد أن الدفن مع الجمل يرمز إلى مرافقة المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر.