أميرُ المُؤمِنين وخَليفَةُ المُسْلِمين الإمام أبُو عبد الله مُحمَّد الأمِين بن هارون الرَّشيد بن مُحمَّد المِهدي بن عبد الله المَنْصُور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله القُرَشيُّ الهاشِميُّ العبَّاسيُّ (شوَّال 170 – 25 مُحرَّم 198هـ / أبريل 787 – 25 سبتمبر 813م)، المَعرُوف باسمه ولقبه مُحمَّد الأمين أو الأمين، هو سادس خُلَفاء بني العَبَّاس، والخليفة الخامِس والعشرون في ترتيب الخُلَفاء عن النبي مُحمَّد. حكم الدَّولة العبَّاسية (3 جُمادى الآخرة 193 – 25 مُحرَّم 198هـ / 24 مارس 809 – 25 سبتمبر 813م)، ودام حكمه أربع سنين وثمانية أشهر وأحدًا وعشرين يومًا حتى مقتله.
وُلد مُحمَّد بن هارون الرَّشيد في الرُّصافة شرقي حاضرة الخلافة بغداد سنة 170هـ / 787م، ونشأ في قلب الخلافة بكنف والده ووالدته السيدة زبيدة بنت جعفر حفيدة المنصور، وتميز بكونه هاشمي النسب من الأبوين، مما منحه دعمًا مبكرًا من البيت العبَّاسي. تلقى الأمين تعليمه مع أخيه غير الشقيق المأمون على يد كبار العلماء مثل الكسائي والأصمعي، فأخذ حظًا من الفقه والأدب والشعر ومعرفة أيام العرب، إلا أن الروايات التاريخية كثيرًا ما تُبرز الفارق في الطبع والميل بينه وبين أخيه المأمون في صباهما، فتصف الأمين بالميل إلى الترف واللهو، بينما تصف المأمون بالجدية والانهماك في العلم، وهو ما جعل الرَّشيد يميل للمأمون أكثر ويرى فيه الأهلية للخلافة، لكن الضغوط السياسية والعائلية، خصوصًا من السيدة زبيدة وعموم الهاشميين وبدعمٍ من الفضل البرمكي الوصيِّ على الأمين، حسمت الأمر لصالح الأمين ليكون ولي العهد الأول سنة 175هـ / 791م.
سعى الرَّشيد لضمان موقع قوي للمأمون لعدم اطمئنانه لحصر ولاية العهد للأمين، فعقد له ولاية العهد الثانية من بعد الأمين في سنة 182هـ / 799م، ومنحه ولاية خُراسان وكامل المشرق بصلاحيات واسعة واستقلال شبه تام، ثم أضاف أخاهما القاسم المؤتمن وليًّا ثالثًا للعهد مشروطةً بموافقة المأمون إن أراد تثبيته أو خلعه لاحقًا. أخذ الرشيد عليهم العهود والمواثيق في مكة سنة 186هـ / 803م، وعُلّقت العهود في جوف الكعبة، في محاولة لضمان التزام الأخوين بهذا الترتيب، إلا أن الكثيرين رأوا في هذا التقسيم بذورًا لفتنة قادمة بين الأخوين. استمر الرشيد في إظهار ميله للمأمون حتى في أيامه الأخيرة، فاصطحبه معه إلى خراسان بينما استخلف الأمين على بغداد، وقبل وفاته أكد على أن جيش خراسان وأمواله تتبع للمأمون وحده، مما زاد من تعقيد الموقف الذي ورثه الأمين.
بُويع الأمين بالخلافة في بغداد فور وفاة أبيه الرشيد سنة 193هـ / 809م، وبدأ عهده بتثبيت حكمه وكسب الولاء، فأطلق سراح البرامكة إرضاءً لوالدته، وأغدق العطاء على جند بغداد، لكنه سرعان ما خرق أولى العهود، إذ عاد إليه جيش خراسان بقيادة الفضل بن الرَّبيع إلى بغداد حاملاً معه الأموال والخزائن التي كانت بحوزة الرشيد، رغم وصية الرَّشيد بتبعية الجيش والأموال للمأمون المُقيم في مرو. لم يلبث الأمين أن بدأ باتخاذ خطواتٍ فعليَّة لنقض العهود، فعزل أخاه القاسم المُؤتمن عن الجزيرة والعواصم وأقامه بالقرب منه، ثم أعلن نيته تقديم ابنه الصغير موسى في ولاية العهد سنة 194هـ / 810م، وصولًا إلى خلعه للمأمون رسميًا سنة 195هـ / 811م، وإسقاط اسمه من الخطبة، وتمزيقه لوثائق العهد المُكِّيَّة. وذلك بتحريضٍ مستمر من وزيره الفضل بن الرَّبيع، وحاشيته المُقرَّبة مثل القائد العسكري علي بن عيسى بن ماهان، وصاحب ديوان الخاتم بكر بن المُعتمر.
أدت إجراءات الأمين إلى اندلاع حربٍ أهليَّة مُدمِّرة مع المأمون سنة 195هـ / 811م. ومع أن الأمين جهز جيوشًا ضخمة بقيادة علي بن عيسى بن ماهان ثم عبد الرحمن بن جبلة الأنباري، لكنها مُنيت بهزائم كارثية ومتتالية أمام جيش المأمون الأصغر عددًا والأفضل تنظيمًا بقيادة طاهر بن الحسين في معركة الرَّي ثم في همذان. تدهور موقف الأمين بسرعة، فبينما كان المأمون يُعلن خليفةً في خراسان نتيجة انتصاراته الكبيرة ومُوسِّعًا نفوذه غربًا نحو العراق ومُقتربًا من بغداد، واجه الأمين انشقاق ولاة الكوفة، والبصرة، والموصل، والحجاز، واليمن لصالح المأمون، ثم انفضاض الناس عنه شيئًا فشيئًا، ثم فتنة داخلية في بغداد نفسها قادها الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان لصالح المأمون أدت إلى خلع الأمين من الخلافة وسجنه مؤقتًا قبل عودته للسُّلطة بدعمٍ شعبي.
بلغت الحرب بين الأخوين ذروتها في حصار بغداد الذي استمر نحو أربعة عشر شهرًا (أواخر 196هـ – أوائل 198هـ / منتصف 812 – سبتمبر 813م)، والذي تعرضت خلاله العاصمة العبَّاسية لدمار هائل وقصف عنيف بالمنجنيق والنار. ورغم بعض المقاومات الشرسة، خصوصًا من الفئات الشعبيَّة والعيارين والشُّطَّار، إلا أن الحصار انتهى بدخول جيش المأمون لكامل بغداد وفرض تطويقًا حول قصر الأمين. حاول الأمين تسليم نفسه إلى القائد المُخضرم هرثمة بن أعين، غير أن طاهر بن الحسين أفشلها بالقُوَّة وأسره أثناء محاولته الهروب نحو ضفة الشاطئ، ليُقتل الأمين في ليلة 25 مُحرَّم 198هـ / 25 سبتمبر 813م، ويصبح أول خليفةٍ عبَّاسي يُقتل في صراعٍ على السلطة. وانتهت الحرب بمقتله واستتاب الأمن والأمان في عموم بغداد. دانت مشارق الخلافة ومغربها للمأمون، لتبلغ في عهده قُمَّة ازدهارها الفكريُّ والثَّقافيُّ والعلميّ.
اتسمت صورة الأمين وشخصيته بالكثير من الجدل، فالمصادر التي كتب أغلبها في عصر المأمون أو بعده تميل لإبراز صورة الخليفة اللاهي والمستهتر، ضعيف الرأي والمنقاد لوزرائه وحاشيته، فضلًا عن تسببه في إشعال فتنة مدمرة. في حين تبرز مصادر أخرى وتحليلاتٍ لاحقة تلقيه تعليمًا جيدًا، وامتلاكه فصاحةً وشجاعة جسديَّة، ومواقفه التي تدل على تمسكه بقيمٍ ومروءة، وترى أن صورته قد شوهت بفعل الدعاية المضادة أو الحكم عليه من خلال نتيجة الصراع. تعد فترة الأمين القصيرة والمأساوية تغير في موازين القوى داخل البيت الحاكم والمجتمع لاحقًا.