اكتشف أسرار كاتدرائية أستورجا

كاتدرائية سانتا ماريا هي المقر الأسقفي لأبرشية أستورغا، وقد وُثِّقت منذ القرن الثالث عشر بلقب الرسولية. تقع هذه الكاتدرائية في مدينة أستورغا التابعة لمقاطعة ليون في إسبانيا.

قبل بناء الكاتدرائية الحالية، وُجد في الموقع معبد ذو طراز ما قبل الرومانسكي، ثم معبد آخر على الطراز الرومانسكي كُرِّس سنة 1069، ويُرجَّح أنه اكتمل في منتصف القرن الثالث عشر، على الرغم من قلّة المعلومات المتوفرة حول عملية تشييده. أما الكاتدرائية الحالية فقد بدأ تشييدها من جهة الحنية في القرن الخامس عشر (1471) على الطراز القوطي، حيث شُيِّدت الأجنحة والكنائس الصغيرة. وفي القرون اللاحقة، أُضيفت البوابة الجنوبية وكنيستان صغيرتان متعامدتان مع الصحن على الطراز النهضوي، بينما شُيِّدت الواجهة الرئيسية في القرن الثامن عشر على الطراز الباروكي. وتُظهر الأعمال القوطية روابط محتملة مع المعماري خوان دي كولونيا وابنه سيمون دي كولونيا في ما يتعلّق بالبناء الأصلي، بينما تُنسب أعمال القرن السادس عشر إلى رودريغو خيل دي هونتانيو.

تتّسم الكاتدرائية بمخطط بازيليكي يضم ثلاث أجنحة تمتد فوق أساسات المبنى الرومانسكي، وتحيط بها كنائس صغيرة بين الدعامات، إضافةً إلى ثلاثة حنيات متعددة الأضلاع. أما القبب فهي قبب متقاطعة الأضلاع. ترتكز هذه القبب على دعائم لا تحتوي على تيجان، إذ تمتد لتتصل مباشرةً مع أضلاعها المعمارية. ويعلو واجهة المبنى برجان مربّعا الشكل عند الجهة الغربية، يزيد ارتفاع كل منهما عن ستين متراً، وتتوَّجان بقمم مكسوّة بالأردواز. أما الدير (الكلويستر)، فقد بُني على الطراز الكلاسيكي الجديد عام 1755، وكان من تصميم غاسبار لوبيث.

تتميّز الكاتدرائية باتجاه غير معتاد، إذ تتجه حنيتها نحو الشمال الشرقي، في حين أن المعتاد في العمارة الكنسية هو أن تتجه نحو الشرق. ويحتوي الحَرم على المذبح الرئيسي الذي يُعدّ قمّة فن الرومانيسمو في إسبانيا، وهو من إبداع النحّات غاسبار بيثيرا.

أما جوقة الصحن المركزي فهي على الطراز الفلمنكي، وتضم مقاعد من خشب الجوز منحوتة بدقّة عالية، ومن أبرزها المقعد النهضوي المخصّص للقديس تورِبيو.

ويشكّل المبنى مجمّعاً كاتدرائياً متكاملاً يضم ثلاث وحدات رئيسية:



الكنيسة.

الأرشيف الأسقفي والأرشيف الكنسي والمتحف.

مستشفى القديس يوحنا المعمدان الذي تأسس في العصور الوسطى.

يقع القصر الأسقفي في أستورغا، وهو من روائع الطراز الحداثي التي صمّمها المعماري أنطوني غاودي، على مقربة شبه مباشرة من الكاتدرائية، حيث يشكّلان معاً مشهداً متناغماً رغم الاختلاف الكبير في الفترات التاريخية التي شُيِّدا فيها.

وقد تعرّض المبنى لأضرار جسيمة جرّاء زلزال لشبونة عام 1755، ثم لحقت به في القرن التالي تدهورات كبيرة بسبب قوات نابليون، خاصةً في الدير والزجاج الملوّن.

وفي عام 2015، ومع موافقة منظمة اليونسكو على توسيع نطاق طريق سانتياغو في إسبانيا تحت اسم «طرق سانتياغو دي كومبوستيلا: الطريق الفرنسي وطرق شمال إسبانيا»، قدّمت إسبانيا وثيقة بعنوان «جرد استعادي – عناصر مرتبطة»، وجاءت كاتدرائية أستورغا مدرجة في الرقم 1710 ضمن هذا الجرد.

خلال عهد الملك فرناندو الأول والملكة سانتشا (بين عامي 1037 و1065) جرت إعادة تنظيم مملكة ليون. فقد اهتمّ هذان الحاكمان، إلى جانب الشؤون المدنية، بالقضايا الدينية أيضاً، وبمساعدة الأساقفة شرعا في إصلاح الكنيسة وتنظيمها وتحديثها.وكان وضع أستورغا على وجه الخصوص ذا أهمية كبيرة، إذ إن أساقفتها كانوا قد واجهوا صراعات خطيرة مع رعاياهم.

في زمن هذين الملكين، وبرعايتهما وإشرافهما المباشر، بدأت الكاتدرائية مرحلة جديدة من حياتها، حيث جرى تكريسها (على الرغم من أن المعبد لم يكن قد اكتمل بعد) في عهد الملك ألفونسو السادس، ابن فرناندو الأول، وذلك تحت أسقفية بيدرو نونييث (1066-1082)، في يوم 20 ديسمبر سنة 1069.ومع وصول ألفونسو السادس والأسقف أوسموندو، دخلت إلى أستورغا الإصلاحات الليتورجية، أي استبدال الطقس الإيبيري القديم بالطقس الروماني، وهو تغيير دُفع به من روما ونُشر بوساطة دير كلوني.

الراعية والواقية التالية للكاتدرائية كانت الملكة أورّاكا الأولى ملكة ليون. ورغم أنّ تلك الحقبة عُرفت بعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فإن الكاتدرائية واصلت نموها وازدهارها بفضل عدة عوامل، من بينها تبرعات الأسقف بلاياو، وكذلك التبرع القيّم الذي قدّمته الملكة سنة 1120، إذ منحت أرضاً مجاورة للكاتدرائية أُتيح فيها تشييد المرافق اللازمة.

وفي هذا الجو من العناية والتبرعات، أخذ المبنى في الاتساع والتطور، كما حُفظ للكرسي الأسقفي مكانته وسلطته الكاملة.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←