فن التوقيع التوقيعات فن نثري عُرف قبل العصر الأموي (41هـ- 132هـ)، وإن قال البعض: إنه أموي النشأة.
و قبل تناول هذا الفن نعرض لـه من الناحية اللغوية، فهو مصطلح مأخوذ من (وقعت الإبل) أي اطمأنت بالأرض بعد التشبع بشرب الماء، وذلك لأن الكاتب الموقع يطمئن إلى تصرفه للأمر، وحسن قضائه فيه، ومنها وقع ظنه على الشئ أي قدره، لأن الموقع يكتب رأيه بعد تدبر [ابن منظور، لسان العرب، مادة وقع]. ومنه: وقع في الكتاب، أي بيَّن في إيجاز رأيه فيه بالكتابة، والتوقيع ما يُعلق به الرئيس على كتاب أو طلب برأيه فيه [مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوجيز، مادة وقع].
والتوقيعات فن نثري له صلة بفن الرسائل من حيث المضمون، فإذا كانت الرسالة تتضمن مطلباً يُراد تحقيقه من خلال بناء فني لها، فإن التوقيعات مع إيجازها تعد بمثابة جوابٍ للرسالة. والتوقيعات عبارة موجزة، سليمة التركيب، دقيقة الفكرة، مركزة، تحمل رأي كاتبها في شكوى، أو مسألة من المسائل، أو تعليقه على موقف معين.
عرفت التوقيعات منذ عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ، إبان فتوحاته الإسلامية، نظراً لضرورة هذا الفن، وملاءمته لظروف المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت.
فن عربي أصيل:
وفي هذا السياق يمكن لنا أن نرد على من رأى أن فن التوقيعات قد أخذه العرب عن الفرس، وذلك بالأدلة التالية:
1 ـ إن العرب قد عرفوا هذا الفن قبل أن يتصلوا بالفرس اتصالاً مباشراً، كما أنه لا فرق بين توقيعاتهم قبل اتصالهم بالفرس، وبعد أن اتصلوا بهم.
2 ـ التوقعيات قائمة على ما يلائم النظرة العربية التي تميل بفطرتها إلى الإيجاز، ومقدرة على البيان، وسرعة خاطر.
نعود لنقول: حين اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وتنوعت شؤونها، وكثرت مطالب الناس وحاجاتهم، وتطلبت بعض المواقف سرعة البت فيها، ومع كثرة شواغل الخلفاء والحكام والقادة، وتمكنهم من اللغة العربية، ودقتهم في التفكير، وسرعة بديهتهم.
كل ما سبق أدى إلى ظهور هذا اللون الجديد من الكتابة، الذي سمي بالتوقيعات، وكما أسلفنا فإن هذا الفن نشأ في عهد الفاروق/ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ثم استمر في العصر الأموي، ثم زاد اهتمام الكتاب، والخلفاء، ورجال الدولة به في العصر العباسي (132هـ- 656هـ)، واشتهر بالمهارة والتجويد في الكثير من الخلفاء، والوزراء، والكتّاب. وفيما يلي سنذكر لك طائفة من التوقيعات كتبت في العصر الأموي، وطائفة أخرى كتبت في العصر العباسي، معلقين على الطائفتين، موضحين أهم خصائصهما قدر الطاقة والإمكان.