التفويض منهج في تفسير القرآن بترك تفسير بعض المتشابه من القرآن، وعدم التعرض لبيان معناه، وتفويض علمه إلى الله تعالى. وهذا المصطلح يعتبر من المصطلحات التي يدور الخلاف فيها خاصة في إطلاقه على صفات الله تعالى، وقد احتدم في هذه المسألة الصراع بين المدارس الفكرية العقدية المختلفة منذ القرن الرابع الهجري.
نشا هذا المنهج من خلاف هل في القرآن شيءٌ، لا يعلمه إلا الله، إلى ثلاثة أقوال أحدهم المفوضة القائلون أن في القرآن أشياء لا يَعْرِف حقيقَتَها إلا الله؛ كالحروف المُقَطَّعة، وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، وقوله:﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، وقوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، وأشباه هذا. والله تعالى مُخْتَصٌّ مُستأثِرٌ بِعِلْم هذه، والإيمانُ بها حَقٌّ، وحقائقُ عُلُومِها مُفَوَّضَةٌ إلى الله تعالى. وهذا مذهب: عائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبَي، وكثير من التابعين، واختيار الفَرّاء، والكسائي، والمُفَضَّل، وابن الأنباري، وأَبي عُبَيد، وأحمد بن يحيى. ودليلهم قراءة عبد الله بن مسعود: ﴿إنْ تَأويلُهُ إلّا عِنْدَ الله والرّاسخون في العِلْم يقولون آمَنّا به﴾. وفي قراءة أُبَيٍّ، وابن عباس: ﴿ويقول الراسخون في العلم آمَنّا به﴾. وهذا هو الأشبه بظاهر الآية، وفي قوله أيضًا: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، دليلٌ على أنهم لَمْ يَعْرِفوا البعضَ فآمَنُوا بظاهره، وقالوا: إنه من عند الله. ورأيهم إنما أنزل الله -تعالى- ما لا يعلمه إلّا هو؛ اختبارًا للعباد، لِيُؤمِنَ به المُؤْمِنُ فَيَسْعَد، ويكفر به الكافرُ فَيَشْقَى؛ لأن سبيلَ المُؤْمِنِ إذا قرأ من هذا شيئًا، أنْ يُصَدِّق رَبه عز وجل، ولا يعترض فيه بسؤال وإنكار؛ فَيَعْظُمَ -بذلك- ثوابُهُ على الله.