موضوع علم الحديث يدور على الإسناد، ويُعرف لغة: المعتمد، وسمي بذلك لأن الحديث يستند إليه، ويعتمد عليه. وعرف اصطلاحا: سلسلة الرواة الموصلة للمتن.
ولذا فإن الله - سبحانه وتعالى- قد تكفّل بحفظ كتابه، وهذا يستلزم حفظ ما يوضح ويبين ويفسر ويشرح، وهو الحديث، ومن أجل ذلك فقد هيأ الله لهذه الأمة رواة عُدولا، نقلوا هذا الدين جيلا بعد جيل، حفظوا على الناس دينهم، وقد قاموا بجهود عظيمة في نقله وتمحيص مروياته منذ عصر الصحابة –رضي الله عنهم- حتى تكامل تدوين الحديث بالطرق التي روي بها، كما دون مصطلحه على أدق منهج يمكن أن يوجد للتثبث من النصوص الروية وتمحيصها، ولما كان الإسناد هو الأساس في هذا العلم فقد نبه العلماء على أهمية السند منذ صدر الإسلام، لأنه عن طريقه نقلت مصادر الشريعة، فهذا الإمام محمد بن سيرين، أحد أئمة التابعين يقول: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم». وقال عبد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء». وعن كون الإسناد من خصائص الأمة الإسلامية فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الإسناد من خصائص هذه الأمة».
وقد هيأ الله تعالى الأسباب لحفظ السنة، فسخر لذلك جهابذة، قضوا جلّ أوقاتهم في جمعها وحفظها وتدوينا والعناية بهخا، والبحث عن رواتها، ونقد مروياتهم، واوجدوا موازين يعرف بها صحيح الحديث من سقيمه، فنشأ لذلك علم مصطلح الحديث بفنونه المتنوعة، وحفظ سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. حتى قال العلماء في ذلك: «لو أن شخصا كذب على النبي في الصباح لافتضح أمره في المساء». ولما سئل عبد الله بن المبارك عن الأحاديث الموضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم أجاب فقال: «يعيش لها الجهابذة». وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: قال سفيان الثوري: «من كذب في الحديث افتضح. وأنا أقول: من هم أن يكذب افتضح». وقال ابن الجوزي: «ولقد رد الله كيد الوضاعين والكذابين بأحبار أخيار فضحوهم، وكشفوا قبائحهم، وما كذب أحد قط إلا افتضح».
ولذا فقد يسر الله _سبحانه وتعالى_ جهابذة لهذا العلم وضعوا قواعده وقوانينه، فحفظوا حديث نبيه صلى الله عليه وسلم وردوا كيد أعدائه منذ عهد النبوة حتى أيامنا هذه. ومن هنا يمكن تحديد المراحل التاريخية لعلم مصطلح الحديث بمراحل متعددة.