لقد شكّل موقع فلسطين الجغرافي المميّز مُلتقى الحضارات البابلية، المصرية القديمة واليونانية، ثمّ الرومانية والعربية. ولاشك أنّ المعلومات الطبية المتاحة لدى هذه البلدان كانت متاحة أيضًا لدى فلسطين التي كانت تشكل مركزًا تجاريًا تتلاقى فيه الحضارات وتتبادل التأثير، وكانت معبرًا لكل العلوم الطبية والفلسفية والدينية، ليس آخرها انتقال الحروف الأبجدية إلى العالم المتحضر في ذلك الوقت.
لقد أنشأ المصريون القدماء أول مستشفيات في التاريخ إلى جانب المعابد وكانت تسمى «بير عنخ» أي بيوت الحياة، وكان المرضى ينامون فيها تحت عناية رجال الدين، وانتقلت الفكرة إلى اليونان حيث أسست معابد إسكولابيوس، واستمرت العناية بالمرضى كما يفرضه الواجب الإنساني في كل الأنحاء. وفي فلسطين كانت تنتشر عبر التاريخ أمراض كثيرة كالموجودة في حوض البحر المتوسط، وقد ذكرت التوراة، العديد من الأمراض، كالملاريا والجدري والصرع والهيضة والسل والطفيليات المعوية والبرص وغيرها. كما ذكر الإنجيل أيضًا بعض الأمراض في سياق معجزات عيسى (عليه السلام). كانت المستشفيات مراكز إجتماعية تساهم في صحة المجتمع ونظافة البيئة وتعليم الأطباء والكادر الطبي طرق العناية بالمرضى، بالإضافة إلى صناعة الصيدلة وتركيب الأدوية للمرضى الداخليين والمترددين على العيادات الخارجية التي كانت موجودة في كل مستشفى، حيث يذهب الناس لإستشارة الأطباء وتلقي العلاج. وقد شهدت العصور الذهبية العربية الإسلامية مستشفيات، أو بيمارستانات في معظم العواصم في بغداد ودمشق وحلب وغرناطة ومراكش وفاس والقاهرة وغيرها حتى بلغ عدد المستشفيات في العالم الإسلامي حوالي أكثر من مائة مستشفى.