الإشارة إلى مذهب أهل الحق هو كتاب للإمام أبي إسحاق الشيرازي الشافعي الأشعري (ت 476هـ)، دافع فيه عن آراء الأشاعرة في مسائل العقيدة بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية من الكتاب والسنة، وفصّل القول في مسائل الإلهيات والنبوات والسمعيات بأسلوب يتميز بالدقة والوضوح، وأشار إلى آراء المخالفين له من القدرية (المعتزلة) وذكر أدلتهم وفندها وبين تهافتها عقلاً ونقلاً، مما يجعل الكتاب مصدراً رئيسياً من مصادر المذهب الأشعري في علم الكلام، ومرجعاً مهماً في الوقوف على دقائق المذهب وغوامضه. ويتضح من الكتاب تمسكه الشديد بالمذهب الأشعري ودفاعه عنه وانتصاره لرأي الإمام أبي الحسن الأشعري في قضايا الخلاف بينه وبين القدرية.
وقد وقع في عصره خلاف بين الحنابلة وابن القشيري وهو خلاف مشهور بين المذهبين في قضايا أصول الدين، وشكا الحنابلة من أبي إسحاق الشيرازي لأنه كان ينتصر لمذهب الأشاعرة وللقشيري ضد الحنابلة، وبلغ ذلك الوزير نظام الملك حيث قيل له إن أبا إسحاق يريد إبطال مذهب الحنابلة، فأرسل إليه نظام الملك في ذلك حتى يكف عن النَّيل من الحنابلة فكتب إليه أبو إسحاق يشكو من عنف الحنابلة ويذكر له سبهم له وأن الحنابلة يثيرون الفتن بين المسلمين ويسأله المعونة على الحنابلة، فكان جواب الملك يحمل الإنكار الشديد والتعنيف لخصوم القشيري من الحنابلة وكان ذلك سنة 469هـ وهدأت الأحوال بعد ذلك.
ثم تكلم بعض الحنابلة فنال من الشيخ أبي إسحاق فجمع الخليفة بينه وبين الحنابلة وأصلح ما كان بينهم من خصومات بعد أن كانت الفتنة قد بلغت في ذلك حداً كبيراً قتل فيها نحو عشرين قتيلاً. وينقل بعض المؤرخين لما وقع الصلح، وسكن الأمر، أخذ الحنابلة يشيعون أن الشيخ أبا إسحاق تبرّأ من مذهب الأشعري فغضب الشيخ لذلك غضباً لم يصل أحد إلى تسكينه، وكاتب نظام الملك، فقالت الحنابلة: إنه كتب يسأله في إبطال مذهبهم، ولم يكن الأمر على هذه الصورة، وإنما كتب يشكو أهل الفتن، فعاد جواب نظام الملك، في سنة 470هـ إلى الشيخ، باستجلاب خاطره وتعظيمه، والأمر بالانتقام من الذين أثاروا الفتنة، وبأن يسجن الشريف أبو جعفر، وكان الخليفة قد حبسه بدار الخلافة، عندما شكاه الشيخ أبو إسحاق. قالوا: ومن كتاب نظام الملك إلى الشيخ: «وإنه لا يمكن تغيير المذاهب، ولا نقل أهلها عنها، والغالب على تلك الناحية مذهب أحمد، ومحله معروف عند الأئمة، وقدره معلوم في السنة...» من كلام طويل، سكن به جأش الشيخ.
قال محمد السيد الجليند (محقق الكتاب): «وأنا لا أعتقد أن الشيخ أراد إبطال مذهب الإمام أحمد، وليس الشيخ ممن ينكر مقدار هذا الإمام الجليل، المُجمع على علو محلّه من العلم والدين، ولا مقدار الأئمة من أصحابه .. أهل السنة والورع. وإنما أنكر على قوم عَزوا أنفسهم إليه وهو منهم بريء، وأطالوا ألسنتهم في سَب الشيخ أبي الحسن الأشعري. وهو كبير أهل السنة بعده، وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد -رحمه الله- واحدة، لا شك في ذلك ولا ارتياب، وبه صرح الأشعري في تصانيفه، وكرر غير مرة "أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المُبجَّل أحمد بن حنبل" هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضوع من كلامه».