أَبُو العَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ النُّمَيْرِيُّ الحَرَّانِيُّ الدِّمَشْقيُّ (661- 728 هـ / 1263- 1328 م) المشهور بلقب شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة هو عالم مسلم؛ فقيه مجتهد ومحدِّث ومفسِّر، من كبار علماء أهل السنَّة والجماعة. وأحد أبرز العلماء المسلمين في النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري. نشأ ابن تيميَّة حنبلي المذهب فأخذ الفقه الحنبلي وأصوله عن أبيه وجدِّه، وصار من الأئمَّة المجتهدين في المذهب، يفتي في العديد من المسائل على خلاف معتمد الحنابلة لما يراه موافقًا للدليل من الكتاب والسنَّة ثم لآراء الصحابة وآثار السلف.
وُلد ابن تيميَّة سنة 661 هـ / 1263 م في مدينة حَرَّان لأسرة علمية، فأبوه الفقيه الحنبلي عبد الحليم ابن تيمية وأمُّه «سِتُّ النِّعَم بنت عبد الرحمن الحَرَّانية»، ونشأ نشأته الأولى في مدينة حَرَّان. ثم عند بلوغه سنَّ السابعة هاجرت أسرته إلى مدينة دمشق بسبب إغارة التتار على حران، وكان ذلك في سنة 667 هـ. وحين وصول الأسرة إلى هناك بدأ والده عبد الحليم ابن تيمية بالتدريس في الجامع الأموي وفي «دار الحديث السُّكَّرية». نشأ ابن تيمية في دمشق على طلب العلم، ويذكر المؤرِّخون أنه أخذ العلم من أزيدَ على مئتي شيخ في مختلِف العلوم، منها التفسير والحديث والفقه والعربية. وقد شرع في التأليف والتدريس في سنِّ السابعة عشرة. بعد وفاة والده سنة 682 هـ بمدَّة، أخذ مكانه في التدريس في «دار الحديث السُّكَّرية»، إضافة إلى درسِه في تفسير القرآن الكريم بالجامع الأموي، ودرَّس «بالمدرسة الحنبلية» في دمشق.
تعرَّض ابن تيمية للسَّجن والاعتقال عدَّة مرَّات، كانت أُولاها سنة 693 هـ / 1294 م بعد أن اعتقله نائب السلطنة في دمشق مدَّة قليلة بتهمة تحريض العامَّة، وسببُ ذلك أن ابن تيمية قام على أحد النصارى الذي بلغه عنه شتمُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وفي سنة 705 هـ / 1306 م سُجن في القاهرة مع أخويه «شرف الدين عبد الله» و«زين الدين عبد الرحمن» مدَّة ثمانية عشر شهرًا إلى سنة 707 هـ / 1307 م، بسبب مسألة العرش ومسألة الكلام والنزول. وسُجن أيضًا عدَّة أيام في شهر شوَّال سنة 707 هـ / 1308 م بسبب شكوى من الصوفية، لأنه تكلَّم في القائلين بوحدة الوجود وهم ابن عربي وابن سبعين والقونوي والحلَّاج. وتم الترسيم(2) عليه في سنة 709 هـ / 1309 م مدَّة ثمانية أشهر في مدينة الإسكندرية، وخرج منه بعد عودة السلطان الناصر محمد بن قلاوون للحكم. وفي سنة 720 هـ / 1320 م سُجن بسبب «مسألة الحلف بالطلاق» نحو ستة أشهر. وسُجن في سنة 726 هـ / 1326 م حتى وفاته سنة 728 هـ / 1328 م، بسبب مسألة «زيارة القبور وشدِّ الرحال إليها». وتعرَّض أيضًا للمضايقات من الفقهاء المتكلِّمين والحكَّام بسبب عقيدته التي صرَّح بها في الفتوى الحمَوية في سنة 698 هـ / 1299 م، والعقيدة الواسطية في سنة 705 هـ / 1306 م، وأثبت فيهما الصِّفات السمعية التي جاءت في الكتاب والسنَّة مثل اليد والوجه والعين والنزول والاستواء والفوقية، مع نفي الكيفية عنها.
عاصر ابن تيمية غزَوات المغول على الشام، وقد كان له أثرٌ كبير في التصدِّي لها، ومن ذلك أنه التقى سنة 699 هـ / 1299 م السُّلطانَ التتاري «محمود غازان» بعد قدومه إلى الشام، وأخذ منه وثيقةَ أمان أجَّلت دخول التتار إلى دمشق زمنًا. ومنها في سنة 700 هـ / 1300 م حين أُشيع في دمشق قصد التتار الشام، حثَّ ابن تيمية المسلمين في دمشق على قتالهم، وتوجَّه أيضًا إلى السُّلطان في مصر وحرَّضه على المجيء لقتالهم. إلا أن التتار رجعوا في ذلك العام. وفي سنة 702 هـ / 1303 م اشترك ابن تيمية في «معركة شَقْحَب» التي انتهت بانتصار المماليك على التتار، وقد استنهض فيها هِمَم المسلمين على القتال، وتوجَّه إلى السُّلطان مرَّة أُخرى يستحثُّه على القتال، حتى استجاب له السلطان. وقد أُشيع في ذلك الوقت حُكم قتال التتار مع إظهارهم الإسلام، فأفتى ابن تيمية بوجوب قتالهم، وأنهم من الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام. وخرج ابن تيمية أيضًا مع نائب السلطنة في دمشق سنة 699 هـ / 1299 م، وسنة 704 هـ / 1305 م، وسنة 705 هـ / 1305 م لقتال أهل «كسروان» و«بلاد الجرد» من الإسماعيلية والباطنية والحاكمية والنصيرية، وذكر في رسالة إلى السُّلطان أن سبب ذلك هو تعاونهم مع جيوش الصليبيين والتتار.
ظهر أثر ابن تيمية في أماكنَ مختلفة من العالم الإسلامي؛ في الجزيرة العربية في حركة محمد بن عبد الوهَّاب، وفي مصر والشام في دعوة محمد رشيد رضا بالأبحاث التي كان ينشرها في «مجلة المنار»، وفي المغرب العربي في الربع الثاني من القرن العشرين عند عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وانتقل تأثيره إلى مَرَّاكُش على أيدي الطلبة المغاربة الذين درسوا في الأزهر. وهناك من يقول إن تأثيره في مراكش أقدم حين ظهر تأييد السلطانين محمد بن عبد الله وسليمان بن محمد لحركة محمد بن عبد الوهاب، وأنه ظهر في موجة ثانية في أوائل القرن العشرين على يد كل من القاضي محمد بن العربي العلوي وعلَّال الفاسي. وفي شبه القارَّة الهندية وصلت آراؤه إلى هناك مبكرًا في القرن الثامن الهجري بعد قدوم بعض تلاميذه إليها، منهم «عبد العزيز الأردبيلي» و«علم الدين سليمان بن أحمد الملتاني»، واختفى أثره فيها إلى القرن الحادي عشر الهجري، حتى ظهرت «الأسرة الدِّهْلَوية» ومنها وليُّ الله الدِّهلوي وابنه عبد العزيز الدِّهلوي وإسماعيل بن عبد الغني الدِّهلوي الذين تأثَّروا جميعًا بابن تيمية. ومن المتأثِّرين به أيضًا صدِّيق حسن خان القِنَّوْجي ونذير حسين الدِّهلوي وعبد الرحمن المباركفوري وشمس الحق العظيم آبادي، وشِبْلي بن حبيب الله النُّعماني وأبو الكلام آزاد. ويبرز استدلال السلفية الجهادية بكتب وفتاوى ابن تيمية في عدَّة مواقف، كما يظهر تأثُّر رموز هذا التيَّار به مثل محمد عبد السلام فرج، وأسامة بن لادن، وأبو مصعب الزَّرْقاوي.