وساطة النزاع التشادي-السوداني بدأت فعليًا عقب إعلان حكومة تشاد حالة البلجيرانس أو ما يُعرف بـ"حالة الحرب الفعلية" مع السودان في يوم 23 ديسمبر 2005، وهو الإعلان الذي أحدث صدىً سياسيًا وعسكريًا بالغًا في الإقليم.
وفي لغة القانون الدولي، يُعتبر مصطلح "état de belligérance" أحد أكثر التعبيرات حدّة، إذ يتجاوز مجرد التوتر السياسي ليبلغ مرتبة الاصطفاف العسكري المباشر، حتى وإن لم تُعلن حربٌ تقليديةٌ رسميًا. وقد قامت وكالة رويترز بتأكيد هذا الوضع العدائي، من خلال تغطيتها الفورية لإعلان تشاد، الذي صُبغ بلون التعبئة الاستراتيجية.
أما هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فقد ترجمت هذا المصطلح إلى "حالة حرب"، ما يعكس إدراكًا غربيًا لطبيعة النزاع، ليس فقط من جهة التعريفات، بل أيضًا من زاوية نُذر الانفجار الميداني القادم على الحدود. فقد رُصدت حينها تحركات للقوات المسلحة على جانبي الحدود، في نمط يُفهم منه أن النزاع قد انتقل من طور المماحكة السياسية إلى المواجهة المسلحة المحدودة، وإنْ لم تُعلن حربٌ شاملة.
هذا الوضع المستجدّ في ديسمبر 2005، فتح الباب أمام جولات وساطة إقليمية ودولية، شملت أطرافًا أفريقية وعربية، وساهمت لاحقًا في تمهيد الطريق لمباحثات أمنية وميدانية قادت إلى اتفاقات تهدئة متقطعة بين الطرفين، مع استمرار الاتهامات المتبادلة برعاية التمرّد على الطرف المقابل.
في خضم التصعيد الذي أعقب إعلان "البلجيرانس"، دعت حكومة تشاد مواطنيها إلى التعبئة العامة ضد ما وصفته بـ"العدو المشترك"، في إشارة مباشرة إلى عناصر مسلحة من حركتي تجمع من أجل الديمقراطية والحرية (RDL) ومنصة التغيير والوحدة والديمقراطية (SCUD)، وهما مجموعتان متمردتان تشاديتان تتهمهما السلطات بتلقي دعم لوجستي وميداني من حكومة السودان، إلى جانب تواجد عناصر من ميليشيا الجنجويد السودانية، والذين عبروا الحدود إلى الداخل التشادي أثناء ملاحقتهم للاجئين من إثنية الفور الهاربة من أتون النزاع في دارفور.
ويكشف هذا التداخل المعقد بين الجماعات المسلحة والقبائل العابرة للحدود عن الطابع الإثني العميق للأزمة، حيث تشترك قبائل الفور، والزغاوة، وغيرهم في امتدادات سكانية بين دارفور وشمال وشرق تشاد، ما جعل الحدود خطًا وهميًا في حسابات الحرب واللجوء والثأر. وفي هذا السياق، نفت حركة RDL تلقيها أي دعم رسمي من الحكومة السودانية، محاولةً نفي الرواية التشادية التي تربطها بالتدخلات الخارجية.
وخلال الفترة الممتدة من 26 ديسمبر وحتى 28 ديسمبر 2005، توحّدت حركتا RDL وSCUD مع ستّ جماعات متمردة أخرى، لتشكيل تحالف مسلح جديد تحت اسم الجبهة المتحدة من أجل التغيير الديمقراطي (FUC)، بقيادة محمد نور عبد الكريم، وهو من أبرز الشخصيات المعارضة التشادية المسلحة، والمرتبط تاريخيًا بخطاب يناهض سلطة إدريس ديبي، ويستند إلى دعم قبلي قوي في شمال تشاد.
ويمثل هذا التحالف العسكري نقطة انعطاف كبرى في الحرب، إذ ارتقى بالصراع من حالة تمرد داخلي إلى شبكة إقليمية من الفاعلين المسلحين المرتبطين بتحالفات عابرة للحدود، تمتد من صحارى تشاد إلى مرتفعات دارفور، مما زاد من تعقيد المشهد، وأدخل النزاع في طور أكثر انفتاحًا على التدخلات الإقليمية والدولية.