أبعاد خفية في موشح أندلسي

اَلْمُوَشَّحَاتُ اَلْأَنْدَلُسِيَّةُ نشأتْ في الأَندَلُس، أواخرَ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) في حكم الأمير عبد الله بن محمد، فازدهرت في هذه السنين الموسيقىٰ، وشاع الغناء، وقَوِيَ احتكاك العنصر العربي بالعنصر الإسباني. فنشأت الموشحات لحاجة فنية أولاً، ولظاهرة اجتماعية ثانيًا. أما استجابتُها لحاجة فنية، فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أُولِعوا بالموسيقى، وكَلِفُوا بالغناء، منذ أن قدم عليهم زِريابُ، وأشاع فيهم فَنَّهُ. والموسيقى والغناء إذا ازدهرا وكان لازدهارهما تأثير في الشعر. وقد اتخذ هذا التأثير تأثيرًا خاصًّا في الحِجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العباسي. واتخذ هذا التأثير تأثيرًا مغايرًا في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى في المُدَّة التي نسوق عنها الحديث. فيظهر أن الأندلسيين أحَسُّوا تخلفَ القصيدة الموحدة، إزاء الألحان المنوعة، وشَعَروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم، أمام النغم في حاضره التجديدي المرن. وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر الجديد، يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها. ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تنوَّعت فيه الأوزان وتعدَّدت القوافي، الذي تعد الموسيقى أساسًا من أسسه، فهو ينظم ابتداء للتلحين والغناء.

وأما نشأة الموشحات بمجيئها لظاهرة اجتماعية، فبيانه أن العرب امتزجوا بالإسبان، وألفوا شعبًا جديدًا فيه عروبة، وفيه إسبانية، وكان من مظاهر هذا الامتزاج، أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية «رومانثي» كما عرف العامية العربية؛ أي أنه كان هناك ازدواج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.

وكان لا بد أن ينشأ أدب يمثل تلك الثنائية اللغوية، فكانت الموشحات. فمن المقرر أن الموشحات كانت منذ نشأتها إلى ما بعد ذلك بقرون تنظم بالعربية الفصحى، إلا الفِقرةَ الأخيرة منها، وهي الخَرْجة، فقد اعتمدت على عامية الأندلس. ومعروف أن تلك العامية كانت هي عامية العربية المستعملة لألفاظ من عامية اللاتينية. وفي ذلك يقول ابْن بَسَّامٍ، في حديثه عن مخترِع الموشحات (مُقَدَّمِ بْنِ مُعافَى القَبْرِيِّ) إنه: «كان يأخذ اللفظ العامي والعَجَمي ويسميه: المَركَز، ويصنع عليه الموشحة». فكأن للموشحات جانبَين: جانبًا موسيقيًّا: في تنويع الوزن والقافية، وجاء لحاجة الأندلس الفنية حين شاعت الموسيقى والغناء، وجانبًا لُغَوِيًّا: في أن تكون الموشحة فصيحة في فِقراتها العامية وفي خَرْجَتها، وجاء للثنائية اللُّغَوية المسببة عن الثنائية العنصرية.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←