أمير المُؤمِنين وخليفة المُسْلِمين الإمام أبو مُحمَّد موسى الهادي بن مُحمَّد المهدي بن عبد الله المنْصُور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس القُرَشيُّ الهاشِميُّ (147 – 15 ربيع الأول 170هـ / 764 – 14 سبتمبر 786م)، المعرُوف باسمه ولقبه موسى الهادي أو الهادي، هو رابع خُلفاء بني العَبَّاس، والخليفة الثَّالث والعشرون في ترتيب الخُلفاء عن النبي مُحمَّد. حكم الدَّولة العبَّاسية (22 مُحرَّم 169 – 15 ربيع الأول 170هـ / 4 أغسطس 785 – 14 سبتمبر 786م)، ودام حكمه سنةً وشهرًا وثلاثة وعشرين يومًا حتى وفاته.
وُلد مُوسى بن المهدي في سِيْرَوَانَ من نواحي مدينة الرَّي سنة 147هـ / 764م. ونشأ في كنف أبيه الذي اعتنى بتربيته. شهد الهادي وهو يافعٌ وفاة جده الخليفة المنصُور سنة 158هـ / 775م، وكان حاضرًا معه في مسيره للحج في مكَّة، فأخذ البيعة لأبيه المهدي بين الرُّكن والمقام. استهل المهدي أولى حُكمه بخلع عيسى بن موسى من ولاية العهد في مُحرَّم سنة 160هـ / أواخر 776م، ليُصبح موسى، الذي لُقِّب الهادي، وليًا للعهد وعمره نحو اثني عشر عامًا.
تولى الهادي بعض المسؤوليات في خلافة أبيه، فقاد الحج بالناس سنة 161هـ / 778م، واسْتُخلف على بغداد حين خرج المهدي في حملةٍ على الرُّوم سنة 163هـ / 780م. شهدت السنوات اللاحقة بروز نجم أخيه الأصغر هارون الرَّشيد، لا سيما بعد حملاته الناجحة على الرُّوم، ليُعيَّن وليًا ثانيًا للعهد سنة 166هـ / 782م، وبدأ المهدي يميل إليه بشكلٍ متزايد. وجَّه المهدي ابنه الهادي لقيادة حملة عسكرية في جرجان وطبرستان في سنة 167هـ / 783م لإخماد التمرُّدات فيها. ولهدف المهدي في تقديم الرشيد بولاية العهد على الهادي، أرسل إلى الهادي بالقدوم إلى بغداد أواخر سنة 168هـ / منتصف 785م، إلا أن الهادي شعر بحيلة أبيه في تقديم الرشيد عليه خصوصًا دعم والدتهما الخيزران لذلك، فرفض الامتثال للأمر. أثار رفض الهادي غضب أبيه، فقرر الأخير المسير إليه بنفسه على رأس جيشٍ لخلعه، لكن المنية وافته في ماسَبَذَانَ أثناء الطريق.
تولَّى الهادي الخلافة في مُحرَّم 169هـ / أغسطس 785م وهو لا يزال في جُرجان، فوصل بغداد بعد عشرين يومًا. سارع الهادي لتثبيت حُكمه، وتعامل بحذر مع رجال الدولة مثل الربيع بن يونس وميول بعضهم نحو أخيه الرَّشيد. واجه في بداية عهده ثورة الحُسين بن علي الفَخِّي في الحجاز، فأرسل الجيش العبَّاسي وقضى عليها في واقعة فَخّ الشَّهيرة في ذي الحجة سنة 169هـ / يونيو 786م، وإن أبدى الهادي أسفه لمقتل الحُسين. تمكنت جيوشه من إنهاء ثورة دحية بن مصعب الأموي في مصر، بعد استمرارها لما يقارب أربعة أعوام ولم يتمكن أبوه المهدي من إخماد حركته.
سار الهادي على نهج أبيه المهدي في التشدُّد على الزنادقة، منفذًا وصيته بحزم، فلاحقهم وقتل عددًا منهم في خلافته القصيرة، وأظهر عزمًا على استئصالهم. شهدت فترة حكمه صراعًا معلنًا مع والدته الخيزران التي حاولت فرض نفوذها ووساطاتها، إلا أن الهادي واجهها بحزم، ومنع عنها استقبال القادة والوجهاء، ونجح في تحجيم دورها بشكل كبير. تجددت مساعي الهادي الحثيثة لخلع أخيه هارون الرَّشيد من ولاية العهد، بهدف تولية ابنه الصغير جعفر، فسعى لكسب تأييد القادة لهذا التغيير، وبدأ يُضيِّق على الرشيد ويُقلل من شأنه علنًا، إلا أن معارضة بعض الشخصيات النافذة مثل يحيى البرمكي، بالإضافة إلى قصر مدة خلافته، حالت دون إتمامه لهذا المسعى.
حكم الهادي لفترةٍ قصيرة، إذ مرض واشتدت علته، ثم تُوفي في عِيْسَابَاذَ ليلة الجمعة 15 ربيع الأول سنة 170هـ / 14 سبتمبر 786م، وعمره لم يتجاوز الثالثة والعشرين، بعد حكم دام عامًا وشهرين وأحد عشر يومًا، في ليلةٍ تاريخيَّة عُرفت بليلة الخُلفاء، ففيها مات خليفة (الهادي) وتولَّى خليفة (الرَّشيد)، ووُلد خليفة (المأمون). دار الغموض حول وفاته، فبينما تشير بعض الروايات إلى وفاته بمرض ألمّ به (قرحة في جوفه)، تُلمّح روايات أخرى إلى مسؤولية والدته الخيزران وراء مقتله، بسبب الصراع الحاد بينهما حول السلطة ومستقبل ولاية العهد ونواياه في إسقاط الرشيد من ولاية العهد. بعد تولِّي الرَّشيد، أُجبر جعفر بن الهادي على خلع نفسه من أي حقٍ ومُطالبة في ولاية العهد ليلة وفاة أبيه.
اتسمت شخصية الهادي بتناقضات واضحة، فإلى جانب ما عُرف عنه من الشدة والهيبة والغيرة وحدة الطبع التي تصل للقسوة في بعض أحكامه والأحداث التي حصلت معه، أظهر الهادي في مواقف أخرى كرمًا واسعًا وصل حد الإسراف أحيانًا، وعفوًا وحلمًا، وقدرة على الاعتراف بالخطأ وتقدير الشجاعة والولاء. وأبدى اهتمامًا ملحوظًا بالأدب والطرب، وكان له جلساء ومغنون، مع حرصٍ ظاهر على هيبة الخلافة وسلطتها. يعد الهادي أول الخُلفاء من الجيل العبَّاسي الذي ولد خلال حُكم أسرته للعالم الإسلامي، ولم يكن لأولاده نصيبًا في الخلافة من بعده، إذ استمرت في عُقب أخيه هارُون الرَّشيد، والذي بلغت الدَّولة في عهده أقصى قُوَّتها واتِّساعها وظهر في ما يُعرف بالعصرُ الذَّهبي للإسلام.