الدليل الشامل لـ ممر دريك

ممر دريك هو مسطح مائي يقع بين الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية عند كيب هورن، تشيلي وجزر جنوب شيتلاند المتاخمة للقارة القطبية الجنوبية. ويصل هذا المسطح المائي المحيط الأطلنطي (بحر سكوتيا) بالجزء الجنوبي الشرقي من المحيط الهادئ ويمتد إلى المحيط المتجمد الجنوبي. سمي هذا البحر على اسم القرصان الإنكليزي السير فرنسيس دريك، إذ إن آخر سفنه دمرت بعد عبورها مضيق ماجلان عام 1578، ما أتاح تأكيد وجود ممر مفتوح يصل بين الأطلسي والهادئ.

وقبل ذلك بنحو نصف قرن، كان طاقم البحّار الإسباني فرانشيسكو دي هوسيز قد دفعته عاصفة إلى الجنوب من مدخل مضيق ماجلان، فظنّوا أنهم رأوا نهاية اليابسة واستنتجوا وجود هذا البحر عام 1525؛ ولهذا أطلق بعض المؤرخين الإسبان وأبناء أمريكا اللاتينية عليه اسم بحر هوسيز، نسبةً إلى سفينة الملاحة الإسبانية التي حملت الاسم نفسه. أما أول رحلة بحرية معروفة عبر هذا الممر فكانت سفينة إندراخت بقيادة الملاح الهولندي ويليم شوتن سنة 1616، والتي أُعلن خلالها اكتشاف رأس هورن وتسميته.

يُعَدّ الممر البالغ عرضه نحو 800 كيلومتر (500 ميل) بين كيب هورن وجزيرة ليفيجنستون جزر جنوب شيتلاند هو أقصر ممر مائي يربط القارة القطبية الجنوبية ببقية العالم. وغالبًا ما يُحدَّد الفاصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ بخط يمتد من رأس هورن إلى جزيرة سنو الواقعة على بُعد نحو 130 كيلومترًا (81 ميلًا) شمال القارة القطبية الجنوبية، أو يُعتبر أحيانًا خط الزوال المار برأس هورن هو الحد الفاصل بين المحيطين، وكلا الخطين يمران داخل نطاق ممر دريك.

ويتسم الممران المائيان حول كيب هورن ومضيق ماجلان وقناة بيغل بالضيق الشديد، بحيث لا تسمح إلا بمرور سفينة واحدة في المرة الواحدة، وخصوصًا السفن الشراعية التي تحتاج إلى مساحة للمناورة. وغالبًا ما تحاصر الكتل الجليدية السفن، في حين تهب الرياح العاتية بقوة تجعل الإبحار عكس اتجاهها شبه مستحيل. ولهذا السبب فضّلت معظم السفن الشراعية العبور عبر ممر دريك، الذي يوفر مساحة مائية مفتوحة تمتد لمئات الأميال رغم ما يواجهه من ظروف جوية قاسية. وتقع جزر دييغو راميريز الصغيرة على بُعد نحو 50 كيلومترًا (31 ميلًا) جنوب رأس هورن، لتشكّل أقصى أطراف اليابسة قبل الانفتاح على الممر الشاسع المؤدي إلى القارة القطبية الجنوبية.

ولا توجد هناك أي أرض حول العالم تتسم بالأهمية تقع على خطوط عرض ممر دريك المائي، الذي يمثل أهمية للتدفق غير المحصور من التيار القطبي الجنوبي المحيط بالقارة القطبية الجنوبية والذي يحمل في طياته كمية كبيرة من الماء (حوالي 600 ضعف من تدفق مياه نهر الأمازون) من خلال الممر وحول القارة القطبية الجنوبية. تُمثل السفن العابرة للممر منصات مشاهدة جيدة للحيتان والدلافين وطيور البحر الكثيرة التي تشمل طائر النوء الكبير وسلالات أخرى من طائر النوق وطائر القطرس والبطريق.

لا توجد أي يابسة أخرى على سطح الأرض تقع عند خطوط العرض ذاتها التي يمر بها ممر دريك، وهو ما يمنحه أهمية فريدة بوصفه الممر الرئيس لـالتدفق غير المقيّد للتيار القطبي الجنوبي المحيط بالقارة القطبية الجنوبية. يحمل هذا التيار كميات هائلة من المياه — تُقدَّر بنحو ستمئة ضعف تدفق نهر الأمازون — عبر الممر وحول القارة بأكملها، مما يجعله أحد أعظم التيارات البحرية في العالم. تُعدّ السفن العابرة للممر منصات مثالية لمشاهدة الحيتان والدلافين وطيور البحر الكثيرة، ومن أبرزها النوء العملاق وأنواع مختلفة من طيور النوء والقطرس إضافة إلى البطريق التي تتخذ من المنطقة موطنًا طبيعيًا لها.



وتشير الدراسات الجيولوجية إلى أن الممر كان مغلقًا قبل نحو 41 مليون سنة، وفقًا لتحاليل كيميائية أُجريت على أسنان الأسماك المحفوظة في الصخور الرسوبية للمحيط. وقبل انفتاحه، كان المحيطان الأطلسي والهادئ منفصلين تمامًا، وكانت القارة القطبية الجنوبية أكثر دفئًا وخالية من الغطاء الجليدي. غير أن اتصال المحيطين عبر هذا الممر أدّى إلى نشوء التيار القطبي الجنوبي المحيط، الذي ساهم تدريجيًا في انخفاض حرارة القارة وبدء تشكّل غطائها الجليدي الواسع.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←