محمد المختار ولد أبّاه (4 مارس 1924 – 22 يناير 2023) هو أكاديمي وكاتب ومفكّر وعالم مسلم ورجل دولة موريتاني ينحدر من مدينة النباغية في مقاطعة بوتلميت بولاية الترارزة الموريتانية، وهو أحد مؤسسي الدولة الموريتانية الحديثة، حيث جابه الاستعمار الفرنسي وكان وزيراً ضمن أول حكومة موريتانية تُشكّل قبل الاستقلال عام 1957، كما تقلد مناصب رسمية محلية ودولية عديدة، وعيّنه ملك المغرب محمد الخامس بن يوسف كأول مدير للإذاعة المغربية عام 1960. حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس، وقدّم عشرات المؤلفات في مختلف مجالات الدراسات الإسلامية واللغوية، منها ترجمة لمعاني القرآن للغة الفرنسية تُعتبر من أكثر ترجماته انتشارا. وقد تبناها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وطبعها ووزعها على المناطق والمجتمعات الفرنكفونية. وفي عام 2006 أسس جامعة شنقيط العصرية في موريتانيا، وطالما اعتُبر على الجانب الفكري أحد دعاة الوسطية والاعتدال ضمن علماء الدين المعاصرين.
نشأ في البادية في السنوات الأولى من حياته، ودرس علوم الدين الإسلامي واللغة العربية في المدارس الشنقيطية التقليدية، المعروفة باسم المحاظر قبل أن يلتحق بالمدرسة العصرية وينال البكالوريا في مدينة «سينْلوي» السنغالية، ويُكمل دراسته الجامعية بين الرباط في المغرب وجامعة السوربون في باريس التي أخذ منها شهادة الدكتوراه عام 1975 وأصبح بذلك أول موريتاني يحمل شهادة دكتوراه الدولة.
تولى في بلاده موريتانيا مناصب متعددة على فترات متفاوتة، كانت بدايتها بدخوله في أول حكومة موريتانية تُشكَّل عام 1957، فتولى أولاً حقيبة وزارة الصحة، ثم عُيّن وزيراً للتعليم، كما عمل لاحقاً نائباً لرئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) ورئيساً للجنة العلاقات الخارجية، وتقلد بعد ذلك مناصب فنية عدة مرتبطة بقطاع التعليم، وتم تعيينه مفتشاً عاماً للتعليم، ومديراً لمدرسة تكوين المعلمين عام 1967، وأول مدير للمدرسة العليا للتعليم بين سنتي 1970 و1978، كما كان رئيس اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم في البلاد في الفترة بين سنتي 1967 إلى 1973، في عهد الرئيس المختار ولد داداه، وتم تعيينه أول رئيس لمجلس جائزة شنقيط حين أسسها سنة 2000 الرئيس معاوية ولد الطايع.
عمل في منظمات دولية عديدة، فقد كان مستشاراً ثقافياً لليونسكو، في الرباط خلال الفترة من 1979 إلى 1982، ثم مندوباً دائماً للمنظمة لدى جامعة الدول العربية ومنظمة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس خلال الفترة من 1982 إلى 1985 ،حيث تم انتخابه أميناً عاماً مساعداً في منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً)، ثم تم تعيينه سنة 1991 رئيس الجامعة الإسلامية بالنيجر، وعمِل أستاذاً بدار الحديث الحسنية، وأستاذاً بمعهد محمد السادس للدراسات القرآنية في العاصمة المغربية الرباط، من 1992 إلى 2000 وكان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في مصر، وعضواً في مجمع اللغة العربية بالخرطوم في السودان، وفي مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بالأردن، وعضواً في المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في المغرب ورئيس فرع المؤسسة في موريتانيا.
مارس العمل السياسي في بلاده التي كانت تخضع آنذاك لحكم الاستعمار الفرنسي فكان على تنسيق وثيق مع قيادات حزب «النهضة» المناهض للاستعمار، وبعد أن دخل أول حكومة في تاريخ البلاد وتعاقب على حقيبتين وزاريتين اختلف جناحه السياسي مع جناح الرئيس وقتها المختار ولد داداه حول التعامل مع السلطات الفرنسية إبّان فترة الاستقلال أواخر خمسينيات القرن العشرين، وأدى الأمر إلى مغادرته البلاد متجهاً إلى المملكة المغربية، حيث ربط علاقة قوية بالعائلة الملكية هناك، وكان مقرباً من الملكيْن محمد الخامس وابنه الحسن الثاني، وتجمعه علاقة بعدد من الشخصيات البارزة في المغرب، من وزراء وزعماء سياسيين ومفكرين وعلماء وفقهاء، وقد تقلد عدة مناصب سياسية وإدارية وأكاديمية في المغرب، فقد عينه محمد الخامس بن يوسف أول مدير للإذاعة المغربية في 6 يونيو 1960، ثم عينه بعد ذلك بعقود الحسن الثاني بن محمد مكلفاً بمهمة في الديوان الملكي المغربي، وتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هناك، وفي عهد الملك محمد السادس تم تعيينه عضواً في "اللجنة العلمية لجائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية"، ثم رئيساً لفرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في نواكشوط منذ تاريخ تأسيسها إلى غاية وفاته.
ألّف ولد ابّاه عشرات المؤلفات في مجالات عدة، غالبيتها تتعلق بعلوم القرآن والحديث والسيرة النبوية والفقه الإسلامي وأصوله واللغة العربية وعلومها، من أبرزها في علوم القرآن ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، وكتاب في القراءات بعنوان «تاريخ القراءات في المشرق والمغرب»، وكتاب له في السيرة النبوية تحت عنوان «في موكب السيرة النبوية»، وله في اللغة العربية وآدابها عدة كتب، منها «تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب» وكتاب «الشعر والشعراء في موريتانيا»، وكان آخر كتاب يُصدره هو مذكرات له أصدرها عام 2022 تحت عنوان «رحلة مع الحياة»، روى فيها الكثير من تفاصيل حياته بمختلف مراحلها ومواقفها. وكان ذلك آخر مؤلف يُصدره قبل وفاته بداية يوم 22 يناير 2023 في نواكشوط بعد إصابته بوعكة صحية مفاجئة عن عمر ناهز القرن من الزمن (102 سنة بالتاريخ الهجري، و98 سنة وعدة أشهر بالتاريخ الميلادي).