مكوك الفضاء كولومبيا (بالإنجليزية: Columbia)، هو أول مكوك فضائي مداري تابع لوكالة ناسا يصنع بواسطة شركة روكويل إنترناشونال. سُمِّي بهذا الاسم تيمّنًا بأول سفينة أمريكية قامت بالدوران حول العالم، وأيضًا نسبةً إلى التجسيد الأنثوي للولايات المتحدة. كان كولومبيا أول مكوك فضاء من بين خمسة مكوكات فضائية تابعة للبرنامج الأمريكي تطير في الفضاء، حيث انطلقت رحلته الأولى في 12 أبريل 1981 لتدشن رسميًا نظام الإطلاق الفضائي الأمريكي، كما أصبح أول مركبة فضائية يُعاد استخدامها بعد رحلتها الأولى عندما أُطلقت في مهمة إس تي إس-٢ بتاريخ 12 نوفمبر 1981.
احتفظ كولومبيا بخصائص فريدة خارجية وداخلية لم تتوافر في المكوكات اللاحقة باعتباره ثاني مكوك فضائي يُصنع بالكامل بعد مركبة الاختبار إنتربرايز، مثل أجهزة القياس الاختبارية والحواف السوداء المميزة. كما كان يتمتع بهيكل خلفي أثقل واحتفظ بغرفة معادلة الضغط الداخلية طوال فترة خدمته، ما جعله أثقل المكوكات الخمسة التي وصلت إلى الفضاء — إذ زاد وزنه بنحو 1000 كغ عن تشالنجر و3600 كغ عن إنديفور عند بنائه الأصلي. زُوّد كولومبيا في رحلاته الست الأولى حتى عام 1983 بمقاعد قذف مشابهة لتلك المستخدمة في طائرة إس آر-71، كما حمل منذ عام 1986 وحدة تصوير على المثبت العمودي الخلفي.
نفذ كولومبيا خلال 22 عامًا من الخدمة 28 مهمة فضائية ضمن برنامج مكوك الفضاء، قضا خلالها أكثر من 300 يوم في المدار وأكمل أكثر من 4000 دورة حول الأرض. أصبح كولومبيا بعد كارثة تشالنجر عام 1986 بمثابة السفينة الرائدة لوكالة ناسا، حيث خُصصت العديد من رحلاته للأبحاث العلمية في المدار. استخدم كولومبيا في أحد عشر رحلة من أصل خمس عشرة ضمن برنامج مختبر الفضاء، وجميع بعثات الحمولة الأمريكية للانعدام الميكروي الأربع، بالإضافة إلى الرحلة الوحيدة لوحدة الأبحاث المزدوجة . كما نفذ العديد من أطول الرحلات في تاريخ برنامج المكوك الفضائي، كانت جميعها مكرسة للبحث العلمي. يعتبر إنديفور المكوك الوحيد الذي اقترب من تحقيق رحلات طويلة مماثلة وذلك خلال مهمة إس تي إس-٦٧ التي استمرت قرابة 17 يومًا.
في عام 1992، أجرت ناسا تعديلات على كولومبيا ليصبح قادرًا على تنفيذ بعض أطول الرحلات في تاريخ البرنامج باستخدام وحدة المدار طويل المدى، التي استُخدمت في 13 من أصل 14 رحلة تمت بها. أطول رحلة نفذها كولومبيا كانت مهمة إس تي إس-80 عام 1996، حيث بقي المكوك في المدار أكثر من 17 يومًا. كما كان كولومبيا أول مكوك يقوم بنشر أقمار صناعية في المدار (مهمة إس تي إس-5)، واسترجاع مرفق التعرض طويل المدى، وإطلاق مرصد تشاندرا للأشعة السينية، وهو أثقل حمولة حملها مكوك فضائي على الإطلاق. كذلك حمل كولومبيا إلى الفضاء أول قائدة أمريكية لبعثة فضائية، وأول رائد فضاء من وكالة الفضاء الأوروبية، وأول رائدة فضاء من أصل هندي، وأول رائد فضاء إسرائيلي.
تفكك كولومبيا في نهاية رحلته الأخيرة في فبراير 2003 أثناء دخوله الغلاف الجوي، ما أدى إلى مصرع الطاقم المكون من سبعة أفراد في مهمة إس تي إس-107 وتدمير معظم الحمولة العلمية على متنه. بعد الحادث خلص مجلس التحقيق في كارثة كولومبيا إلى أن الضرر الذي لحق بالجناح الأيسر أثناء الإطلاق تسبب في فشل النظام الحراري الواقي للمركبة. أدت هذه الكارثة إلى إعادة توجيه برامج الاستكشاف البشري التابعة لناسا، وإطلاق برنامج كوكبة عام 2005، ثم إنهاء برنامج مكوك الفضاء نهائيًا عام 2011.
تم إنشاء العديد من النُصُب التذكارية لتكريم الطاقم، من بينها مركز كولومبيا التذكاري للفضاء، كما أُطلق اسم تلال كولومبيا على منطقة في فوهة غوسيف على كوكب المريخ التي استكشفها المسبار سبيريت. أما غالبية الحطام الذي عثر عليه من كولومبيا، فيُحفَظ اليوم داخل مبنى تجميع المركبات الفضائية في مركز كينيدي للفضاء، بينما تُعرض بعض القطع للزوار في مجمع الزوار المجاور.