طُولِكَرْم () هي مدينةٌ فلسطينيةٌ قديمةٌ، ومركزُ محافظة طولكرم، تقعُ في الضفة الغربية، وهي تحت حُكم السلطة الفلسطينية منذ عام 1995م. وهي مدينةٌ كنعانيةٌ قديمةٌ يمتدُّ عُمرها لأكثر من 5000 عام، حيث تُعد إحدى أقدم المدن الكنعانية التي بناها وأسّسها الكنعانيون وذلك عام 3000 قبل الميلاد وكانوا أول من سَكنها وأسموها طور كرم بمعنى "جَبلُ العِنب". تُعتبر مدينة طولكرم ثالث أكبر مدينةٍ فلسطينيةٍ سُكانًا ومساحةً في الضفة الغربية بعد مدينتيّ الخليل ونابلس، ويمتدُّ العُمران في المدينة ليشغل مساحاتٍ واسعةٍ.
ارتبطت المدينة ارتباطًا وثيقًا بنبي الله يعقوب الذي أقامَ فيها في القرن 18 قبل الميلاد، ولذلك تضمُّ المدينة مقام النبي يعقوب، فضلًا عن إقامة موسم النبي يعقوب التاريخي السنوي فيها. تضمُّ المدينة جامعة فلسطين التقنية "خضوري" والتي تُعد من أقدم الجامعات الفلسطينية والعربية. أنجَبت المدينة أهمَّ الشخصيات الفلسطينية والعربيةِ.
تُعد طولكرم مدينةً سامريةً رئيسيةً تاريخيةً، فهي مدينةٌ قديمةٌ هامةٌ لدى بني إسرائيل السامريين الذين سكنوها بعد الكنعانيين وقبل المسيحيين والمسلمين وارتبط تاريخهم فيها، كما كانت المدينة إحدى أبرز وأقدم مدن مملكة إِسرائيل الشمالية (مملكة السامرة).
يُعتبر موقع مدينة طولكرم منذ القدم موقعًا استراتيجيًا هامًا، حيث تُشرف المدينة على البحر الأبيض المتوسط الذي تبعدُ عنه حوالي 15 كم، وتقعُ المدينة في تقاطع طرقٍ عسكريٍ وتجاريٍ هامٍ تاريخيًا. كما كانت المدينة جزءًا من خط حديد الحجاز، حيث كانت المدينة مُلتقًى أساسيًا ورئيسيًا لشبكة السكك الحديدية الواصلة سواءً بين المدن الفلسطينية أو مع الأقطار العربية، وضمّت المدينة محطة قطار طولكرم الرئيسية.
تقعُ المدينة اليوم في موقعٍ حيويٍ وحساسٍ على الحدود الفاصلة بين إسرائيل والضفة الغربية، حيث تُلاصق المدينة إسرائيل ولا سيما العُمق الإسرائيلي، وتطلُّ على البحر الأبيض المتوسط وقلب إسرائيل، وتضمُّ المدينة ثلاثة معابر حدوديةٍ رئيسيةٍ تصلُ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
يمتدُّ تاريخ المدينة عبر عصورٍ طويلةٍ، إذ تعاقبت عليها حضاراتٌ كثيرةٌ تركت جميعها بصماتِها الواضحة في تاريخِها ومعالِمها. فقبل الميلاد؛ أسّس الكنعانيون المدينة، ثم خضعت للحُكم الفرعوني، ثم دخلها بني إسرائيل وأصبحت مدينةً سامريةً هامةً. وتعاقبت عليها حضاراتٌ كثيرةٌ بعد ذلك، حيث غزاها الآشوريون ثم سيطر عليها البابليون، ثم سقطت بيد الأخمينيون الفُرس، ثم باتت تحت سيطرة اليونانيين القدامى "الهلنستيين"، ثم بيد الرومان.
وبعد الميلاد؛ أصبحت طولكرم مدينةً مسيحيةً في العهد الروماني والبيزنطي، ثم استولى عليها الساسانيون الفُرس وعادت بعد ذلك للبيزنطيين، ثم جاء الفتحُ الإسلامي للمدينة عامِ 636م، وبعدها استولى عليها الصليبيين، ثم الأيوبيون المسلمون. وفي عام 1250م أصبحت المدينة تحت حُكم الدولة المملوكية الإسلامية، وفي عام 1260م سقطت المدينة بيد التتار وسُرعان ما عادت بذات العام إلى المماليك. وفي عام 1516م أصبحت المدينة تحتَ حُكم الدولة العثمانية، وفي عام 1799م جاء الغزو الفرنسي للمدينة بقيادة نابليون بونابرت ومُساعده كليبر اللذان انسحبا منها ذات العام بعد أن دمَّراها. ومنذ عام 1831م وحتى عام 1840م خضعت المدينة للحُكم المصري بقيادة إبراهيم باشا الذي حاصرها وضربَها بالمدفعية ودمَّر أجزاءً منها، وبعدها عادت المدينة للحكم العثماني.
خلال الحرب العالمية الأولى، وقعت معركة طولكرم عام 1918م في أحياء المدينة، بين جيشي الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية الحليفة، وبين الإمبراطورية البريطانية التي تضمُّ جيوش بريطانيا وإنجلترا وويلز وإسكتلندا والهند وأستراليا ونيوزيلندا والفيلق المصري، وانتهت المعركة بهزيمة العثمانيين والألمان وسقوط المدينة بيد الإمبراطورية البريطانية. وفي عام 1936م انطلقت من المدينة إلى كل فلسطين شرارة الثورة العربية ضد الانتداب البريطاني ودارت في المدينة مُعظم أحداثها.
في عام 1948م وقعت النكبة الفلسطينية وسيطرت إسرائيل خلالها على كامل النصف الغربي من قضاء طولكرم الانتدابي بما في ذلك كافة أراضي الأحياء الغربية للمدينة، وأصبحت هذه الأجزاء حتى اليوم ضمن دولة إسرائيل. وفي عامِ 1967م وقعت حرب النكسة وتعرّضت المدينة خلالها للقصف والتهجير والاحتلال الإسرائيلي. في أوائل السبعينات أُعلِنَ من مدينة طولكرم ولأول مرةٍ من داخل الأراضي الفلسطينيةِ المُحتلة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المُمثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين. ومنذ عام 1987م وحتى عام 1993م انخرطت المدينة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى. بقيت المدينة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967م حتى عام 1995م حيث تسلّمتها السلطة الفلسطينية ضمن اتفاقية أوسلو الثانية واتخذت منها عاصمةً لمحافظة طولكرم. وفي الأعوامِ 2000–2005م اجتاحت إسرائيل المدينة بالدبابات وقصفتها بالطائرات الحربية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وفي الأعوامِ 2023–2025م اجتاحت إسرائيل المدينة ومُخيّميها (مخيم طولكرم ومخيم نور شمس)، الأمر الذي خلّف دمارًا هائلًا غير مسبوقٍ في تاريخ المدينة المُعاصر، إذ أدخلت إسرائيل أعدادًا كبيرةً من الجرافات العسكرية الثقيلة بمختلف أنواعها، بالتزامن مع تعرّض المدينة لأعنف الغارات الجوية وأكثرها عددًا في تاريخ الضفة الغربية. ومنذ 27 يناير 2025م احتلّت إسرائيل المدينة ومُخيّميها بشكلٍ دائمٍ حيث لا زالت تتواجد عسكريًا بالمدينة حتى اليوم.
مدينة طولكرم هي عاصمة ومركز قضاء طولكرم بِمُختلف الحُقب الزمنية: قضاء طولكرم العثماني (1873–1918م)، قضاء طولكرم الانتدابي (1918–1948م)، قضاء طولكرم الأردني (1948–1967م)، لواء طولكرم الإسرائيلي (1967–1995م)، محافظة طولكرم (منذ عام 1995م).