فك شفرة طب يوناني قديم

كان الطب اليوناني القديم منظومة من النظريات والممارسات التي تطورت باستمرار بفعل الأفكار والتجارب الجديدة. أُطلق على الطب في اللغة اليونانية القديمة مصطلح "إياتريكي" (ἰατρική). وقد دمج هذا الطب بين العناصر الروحية والجسدية، حيث آمن اليونانيون القدماء بأن الصحة تتأثر بعوامل متعددة، مثل توازن الأخلاط الأربعة، والموقع الجغرافي، والطبقة الاجتماعية، والنظام الغذائي، والإصابات، والمعتقدات، والحالة الذهنية. كان يُعتقد أن الأمراض عقوبات إلهية، وأن الشفاء هبة من الآلهة. لكن مع تطور التجربة والملاحظة، بدأ الأطباء اليونانيون في استبدال هذه التفسيرات الروحية بنهج يستند إلى العلاقة بين السبب والنتيجة.

تقوم نظرية الأخلاط الأربعة على أن الجسم البشري يتألف من أربعة سوائل رئيسية: الدم، والبلغم، والصفراء الصفراء، والصفراء السوداء، وكل منها يرتبط بعضو محدد، ومزاج معين، وفصل من فصول السنة، وعنصر طبيعي. كما كان يُعتقد أن الجنس يؤثر على الطب، إذ كانت بعض الأمراض والعلاجات تختلف بين الرجال والنساء.

بالإضافة إلى ذلك، كان الموقع الجغرافي والطبقة الاجتماعية من العوامل المؤثرة في صحة الأفراد، حيث يمكن أن تؤدي ظروف المعيشة إلى التعرض لمشاكل بيئية مثل انتشار البعوض والفئران ومدى توفر مياه الشرب النظيفة. كذلك، كان النظام الغذائي عاملًا مهمًا، إذ يمكن أن يؤثر نقص التغذية على الصحة العامة.

أما الصدمات الجسدية، مثل الإصابات التي تعرض لها المصارعون، أو العضات، أو الجروح المختلفة، فقد ساهمت في تطوير الفهم الطبي للتشريح والعدوى. إلى جانب ذلك، أُولي اهتمام كبير لدور المعتقدات والحالة النفسية للمريض في التشخيص والعلاج، حيث تم الاعتراف بتأثير العقل في عملية الشفاء، بل اعتبر أحيانًا بأنه المسبب الأساسي لبعض الأمراض.

تمحور الطب اليوناني القديم تدريجيًا حول نظرية الأخلاط، التي تقوم على أن الصحة الجيدة تعتمد على تحقيق التوازن المثالي بين الأخلاط الأربعة: الدم، والبلغم، والصفراء الصفراء، والصفراء السوداء، في حين أن أي اختلال في هذا التوازن يؤدي إلى المرض.

يُعد أبقراط، الملقب بـ "أبو الطب الحديث"، من أبرز الشخصيات في الطب اليوناني القديم، حيث أسس مدرسة طبية في جزيرة كوس، ووثّق مع طلابه العديد من الأمراض في المجموعة الأبقراطية، كما طوروا قسم أبقراط للأطباء، الذي لا يزال معتمدًا حتى اليوم.

ساهم أبقراط وطلابه في ابتكار العديد من المصطلحات الطبية التي أصبحت جزءًا من المفردات الطبية الحديثة، مثل: حاد، مزمن، وبائي، تفاقم، وانتكاس. وكان لهذه المساهمات، إلى جانب إسهامات سقراط وغيرهم، تأثير دائم على الطب الإسلامي والطب الأوروبي في العصور الوسطى، حتى بدأت بعض اكتشافاتهم تتلاشى مع التقدم العلمي بحلول القرن الرابع عشر.

تأسست أول مدرسة طبية يونانية معروفة في كنيدوس حوالي عام 700 قبل الميلاد. وكان من بين أبرز العاملين فيها ألكمايون، الذي يُنسب إليه تأليف أول تجميع تشريحي معروف، حيث ساهم في إرساء منهجية مراقبة المرضى كأساس للممارسة الطبية.

وعلى الرغم من الاحترام الكبير الذي أبداه اليونانيون للطب المصري القديم، إلا أن تحديد مدى التأثير المباشر للممارسات الطبية المصرية على الطب اليوناني في تلك الفترة ظل أمرًا صعبًا، نظرًا لقلة المصادر وصعوبة تفسير المصطلحات الطبية القديمة. ومع ذلك، تشير الأدلة إلى أن اليونانيين استوردوا العديد من المواد الطبية المصرية لاستخدامها في صيدلياتهم، وبرز التأثير المصري بشكل أوضح مع إنشاء مدرسة الطب اليوناني في الإسكندرية.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←