صراع السعودية وقطر بالوكالة ويُشار إليه أحيانا بالحرب العربية الثانية الباردة، هو استمرار للصراع على النفوذ الإقليمي بين دول مجلس التعاون الخليجي وبخاصة بين قطر والمملكة العربية السعودية. توترت العلاقات بين قطر والمملكة العربية السعودية منذ بداية الربيع العربي الذي ترك فراغا في السلطة سعت كل الدول العربية إلى ملأه؛ فدولة قطر أيدت ودعمت بل مولت في بعض الأحيان الموجات الثورية في حين عارضت المملكة العربية السعودية ذلك وفضلت الحفاظ على نفس نظام الحكم في كل الدول العربية. بين هذا وذاك كانت الولايات المتحدة حليفة الدولتين معاً والتي وجدت نفسها في مأزق مما دفع بها إلى تجنب الصراع المباشر أو دعم دولة على أخرى.
لم تكن الخلافات بين السعودية وقطر وليدة اللحظة ولا وليدة الربيع العربي بل هناك خلافات أعمق وأقدم بين الدولتين في عدد من القضايا بما في ذلك طبيعة المحتوى الذي كانت تُقدمه -ولا تزال- قناة الجزيرة والتي تعتمد فيه على الرأي والرأي الآخر؛ ليس هذا فقط فقناة الجزيرة غطت الأخبار بشكل مفصل ودقيق للغاية خلال ثورات الربيع العربي وحافظت نسبيا على علاقات جيدة مع إيران وتركيا مما أغضب المملكة العربية السعودية. دعمت قطر نظام الإخوان المسلمون؛ فيما حاولت السعودية دعم أحزاب وأقطار أخرى تعتبرها أكثر ديمقراطية؛ هذا الأمر ولد احتكاكا وصراعا بين الجانبين. في حقيقة الأمر لا يزال السبب الرئيسي للصراع بين الدولتين مجهولا؛ لكن هناك عدة أسباب فرعية زادت من توتر العلاقات من بينها صراع إيران والسعودية بالوكالة فالسعودية تُحاول الحد من نفوذ الدولة الإيرانية في المنطقة كما تُحاول القضاء على الجماعات المتشددة التي تدعمها على عكس قطر التي لا تهتم بهذا.
بدأ الربيع العربي بالثورة التونسية في كانون الثاني/يناير 2011 ونتج عنها خلع الرئيس زين العابدين بن علي الذي فر إلى المملكة العربية السعودية. قامت قناة الجزيرة بتغطية الاحتجاجات البحرينية 2011 على نطاق واسع وهناك شككت الحكومة السعودية في أن الحكومة القطرية تسعى إلى إسقاط نظام الحكم في السعودية عبر القوة الناعمة. حينها قام السعوديون بدعم الثورة المضادة لإحباط الربيع العربي فحافظوا بصعوبة على النظام الملكي في البحرين كما قاموا بإطاحة الرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي وأحبطوا الدعم الدولي لما بعد نظام معمر القذافي في ليبيا. منذ انقلاب 2013 في مصر الذي قاده عبد الفتاح السيسي قدمت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الدعم لنظام السيسي ثم حاولا سحق المعارضة وبخاصة الإخوان. لم يكتفِ الصراع بالوكالة عند هذا الحد بل قامت الدول الثلاث بتخفيض العلاقات مع كل من قطر وتركيا الذين أيدا الديمقراطية الإسلامية والسلفية الجهادية ودعما بعض الجماعات خاصة في الحرب الأهلية السورية.
حاول مجلس التعاون الخليجي تصحيح العلاقة بين قطر والسعودية خلال ثورة الشباب اليمنية فقدمت الدولتان دعما ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح على الرغم من أن السعودية تعتبر أكبر رافض للثورة العربية. حينها بدأت طبيعة العلاقة تعود لسابق عهدها خاصة أن الدولتان وجدا عدة نقاط مشتركة من بينها محاولة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد الحليف الرئيسي لإيران ولوكيلها حزب الله في لبنان. تدخلت قطر في الحرب الأهلية السورية في عام 2013 أما السعودية فقد انخرطت في الحرب أبكر بقليل حيث قدمت دعما كبيرا لعدة جماعات ثورية كان هدفها إسقاط حكومة بشار الأسد لكن سُرعان ما اختلطت الأوراق بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي أصبح قوة إقليمية في المنطقة. في عام 2014 تدخلت السعودية وقطر في الحرب الأهلية الليبية فانقطعت العلاقة بين الدولتين مؤقتا. صعد سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى العرش في عام 2015 فتحسنت العلاقة مع قطر قليلا حيث حارب الاثنان معا في سوريا كما حاربا الجماعات المدعومة من إيران وعلى رأسهم الميليشات الحوثية في الحرب الأهلية اليمنية. في الوقت ذاته كانت العلاقة بين إيران والسعودية قد وصلت الحضيض عقب إعدام سلطات المملكة للشيخ الشيعي نمر النمر.
في يونيو 2017 قامت السعودية، الإمارات، البحرين، مصر، المالديف، موريتانيا، السودان، السنغال، جيبوتي، جزر القمر، الأردن، حكومة ليبيا وحكومة عبد ربه منصور هادي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر ومنعت قطر من استعمال مجالها الجوي وطرقها البحرية جنبا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية التي حاصرتها برا. حينها تحول الوجه الإعلامي لقناة الجزيرة حيث بدأت في بث معلومات سلبية عن دول الخليج ومصر. ازدادت وتيرة التوتر بعدما طُردت قطر من التحالف الذي يهدف لمكافحة الحوثيين. حينها أكد وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية أن الحصار هو بمثابة إعلان حرب أما وزير المالية القطري علي شريف العمادي فقد ذكر أن قطر غنية بما يكفي لتحمل الحصار. في 24 آب/أغسطس عام 2017 أعلنت قطر أنها سوف تُعيد تمثيل كامل العلاقات الدبلوماسية مع إيران. دخلت الأزمة الدبلوماسية عامها الثاني؛ فأعلنت بعض المصادر غير الرسمية من السعودية أن المملكة بصدد بناء قناة بحرية من شأنها أن تُحول قطر إلى جزيرة.
في الرابع من يناير 2021، وافقت قطر والمملكة العربية السعودية بالإضافة إلى الدول الثلاث المقاطعة ايضا ( الامارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، جمهورية مصر العربية ) على حل الأزمة بوساطة الكويت والولايات المتحدة. أعادت السعودية و الدول المقاطعة فتح حدودها البرية والبحرية والجوية مع قطر، وبدأت عملية المصالحة. الاتفاق والبيان الختامي، اللذان وُقِّعا في 5 يناير 2021 خلال قمة دول مجلس التعاون الخليجي في العلا، يمثلان خطوة رئيسية نحو حل الأزمة الخليجية.