السياسة الثقافية هي إجراءات وقوانين وبرامج حكومية تنظّم وتحمي وتشجّع وتدعم ماليًا (وغير ذلك) الأنشطةَ المتعلقة بالفنون والقطاعات الإبداعية كالرسم والنحت والموسيقا والرقص والأدب وصناعة الأفلام وغيرها، بالإضافة إلى الثقافة التي قد تشمل نشاطاتٍ تتعلق باللغة والإرث والتنوّع الثقافي. جاءت فكرة السياسة الثقافية من منظمة اليونسكو في ستينيات القرن العشرين. بشكل عام، تستلزم السياسة الثقافية من الدول أن تضع -في حيّز التنفيذ- عمليات وتصنيفات قانونية وتشريعات ومؤسسات (كالمعارض، والمتاحف، والمكتبات، ودور الأوبرا...إلخ) تنمّي التنوّع الثقافي والتعبيرات المُبدعة في مجال الأشكال الفنية والفعاليات الإبداعية وتسهّلها.
تختلف السياسات الثقافية من دولة لأخرى، ولكنها تهدف بشكل عام إلى إتاحة الفنون والفعاليات الإبداعية للمواطنين وتعزيز التعبيرات الفنية والموسيقية والإثنية والسوسيولغوية والأدبية وغيرها من طرق تعبير جميع أفراد الشعب في الدولة الواحدة. برز -في بعض الدول منذ سبعينيات القرن العشرين- تأكيد على دعم ثقافات السكان الأصليين والمجتمعات المهمّشة وضمان أن الصناعات الثقافية (كصناعة الأفلام والإنتاج التلفزيوني) تجسّد تجسيدًا متكاملًا تنوّع إرث الدولة الثقافي، وتعطي صورةً غنية عن خصائصها العِرقيّة واللغوية.
تطبّق السياسة الثقافية على مستوى الدولة والأمة، أو على المستوى دون الوطني (على سبيل المثال، كما هو الحال في مختلف الولايات الأمريكية والمقاطعات الكندية)، أو على المستوى الإقليمي، أو على مستوى البلديات (كأن تفتتح حكومة المدينة متحفًا أو مركز فنون). يمكن لصناعة السياسة الثقافية على مستوى الدولة والأمة أن تضمّ أي إجراء حكومي كتمويل التربية الموسيقية أو برامج المسرح بتكلفة رمزية، أو استضافة معارض فنية مدعومة على مستوى الشركات الكبرى في متاحف حكومية، أو إنفاذ مدوّنات قانونية (مثل القانون 501 ذي التصنيف الضريبي الذي أقرته دائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية بخصوص المشاريع غير الربحيّة)، أو إنشاء مؤسسات سياسية (مثل العديد من وزارات الثقافة وأقسام الثقافة، ومثال ذلك الوقف القومي للفنون في الولايات المتحدة)، أو عقد مجالس المِنح الفنية، أو مؤسسات ثقافية كالمعارض والمتاحف. يُذكر في حالة المملكة المتحدة منظمات بارزة منها وزارة الثقافة والإعلام والرياضة، ومجلس الفنون الإنجليزي.
طوال سنوات القرن العشرين، أُطلقت تسمية «سياسة الفنون» على جميع النشاطات التي تكوّن ما أصبح يُعرف بـ«السياسة الثقافية» في بدايات القرن الواحد والعشرين. تشمل سياسة الفنون التمويل المباشر للفنانين والمبدعين والمؤسسات الفنية والتمويل غير المباشر للفنانين والمؤسسات الفنية عبر النظام الضريبي (على سبيل المثال، من خلال حسم التبرّعات للجمعيات الفنية الخيرية من الضرائب). على أي حال، وكما يبيّن أستاذ العلوم السياسية كيفين مولكاهي، «تستوعب السياسة الثقافية طيفًا أوسع من النشاطات التي تمّ تناولها في إطار سياسة الفنون. ففي حين أنّ سياسة الفنون كانت مقتصرةً على تناول الشؤون الجمالية (مثلًا، تمويل معارض الفن ودور الأوبرا)، تمكن ملاحظة الانتقال المهمّ إلى السياسة الثقافية في تركيزها الواضح على الهوية الثقافية، وزيادة القيمة، والسكان الأصليين وثقافتهم، وتحليلات الديناميات التاريخية (كالهيمنة والكولونيالية)». منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، وُجِد في البلدان الصناعية الغربية اتجاه عام مثّل تحوّلاً عن قصر الدعم على فئة نخبويّة صغيرة نسبيًا ومؤسسات وصيغ الفن المهنيّة (كالموسيقا الكلاسيكية، والرسم، والنحت، ومعارض الفن) إلى تقديم الدعم أيضًا للفنانين الهُواة والنشاطات المجتمعيّة المبدعة (كالمسرح الشعبي) والصيغ الثقافية التي لم تعتبِرها الأجيال السابقة جزءاً من المرجعية الأدبية الغربية (يُذكر منها، الموسيقا التقليدية مثل البلوز وموسيقا العالم وغيرها).