فهم حقيقة خوان بوسكان

خوان بوسكان ألموغاڤير أو ألموغابار (برشلونة، 1490 – في المدينة نفسها، 21 سبتمبر 1542) كان شاعراً ومترجماً إسبانياً من عصر النهضة. يُعرف أساساً بكونه من أدخل الشعر ذي النزعة الإيطالية – كاستخدام البحر الإندكاسيلابي (ذو الأحد عشر مقطعاً) وعدد من الأوزان الشعرية مثل الأوكتافا ريما، والثلاثيات، والسونيت – فضلاً عن النزعة البتراركية في الشعر الإسباني، وذلك إلى جانب غارسيلاسو دي لا فيغا. كما قام بترجمة كتاب المحاور المثالي (El Cortesano) لبلتسار كاستيليوني إلى اللغة الإسبانية.

ينتمي بوسكان إلى أسرة نبيلة؛ فوالده هو جوان ڤالنتي بوسكان، الذي شغل منصب مراجع الحسابات ومدير الترسانة في حكومة كتالونيا (الجنراليّتات)، ووالدته هي ڤيولانت ألموغاڤير. وكان له أختان: ڤيولانتي وليونور. وقد كان أسلافه من أنصار التاج القشتالي، فساندوا الملك خوان الثاني خلال النصف الأول من القرن الخامس عشر، الأمر الذي جعله يُؤخذ لاحقاً إلى بلاط الملوك الكاثوليك، إيزابيل الأولى ملكة قشتالة وفيرناندو الثاني ملك أراغون، حيث انضم إلى حاشية الأخير منذ عام 1506 على الأقل. وهناك تلقى تكويناً رفيع المستوى على يد الإنساني الإيطالي لوتشيو مارينيو سículo، الذي كتب في مؤلفاته مشيداً بتلميذه قائلاً إنه كان الأبرز بينهم:

> «لقد أحببتك دائماً كثيراً، يا بوسكان العزيز، ليس فقط لما تتمتع به من شرف النسب وعظيم الذكاء، بل لأنني لم أرَ أحداً متحلّياً بفضائل أسمى منك ولا أشد إخلاصاً في طلب علوم الآداب الرفيعة».

لقد غدا بوسكان بالفعل عالماً مرموقاً في اليونانية واللاتينية، وتبدو في آثاره بصمات كل من هوراس، فيرجيليو، أوڤيديو، موسايو النحوي، بل وحتى إيفيجينيا ليوربيدس، التي يُقال إنه ترجمها لكنها لم تصلنا حتى اليوم. كما تعلم اللغة القشتالية بتمكّن فصيح، حتى أن مارسيلينو مينينديث بيلايو لاحظ في نثره أثر الإيطالية وحدها، دون أي أثر للكتالانية.

خدم لاحقاً في بلاط الإمبراطور كارلوس الخامس، وكذلك لدى فدريكه ألفاريث دي توليدو، الدوق الثاني لألبا، الذي أوكل إليه مهمة أن يكون مربياً ومرشداً لحفيده وخليفته في اللقب، فرناندو ألفاريث دي توليدو إي بيمينتيل. في تلك الفترة نظم بوسكان عدداً كبيراً من القصائد الغنائية على طريقة الكَنسونيرو، وقد تناولها بالتهكّم البهلوان الساخر فرانسيسيو دي ثونيغا. كما تعرّف في البلاط إلى شاعر بارز وصديق حميم، دييغو أورطادو دي مينديثا، الذي وجّه إليه رسالة شعرية أجابه بوسكان عنها بأخرى حازت ثناء النقاد، وفيها وصفٌ لحياته المتوازنة بروح متأثرة بهوراس.

في عام 1522 شارك جندياً، إلى جانب صديقه الفارس التوليداني والشاعر غارسيلاسو دي لا ڤيغا، في محاولة قادها رئيس فرسان القديس يوحنا، دييغو دي توليدو، لفكّ حصار العثمانيين بقيادة سليمان القانوني عن جزيرة رودس. وقد ورد ذكر اسمه في كارلو الشهير (Carlo famoso) – وهي ملحمة شعرية في البحر ذي الاثني عشر مقطعاً نظمها لويس ثاباطا دي تشابيث عن السنوات الأخيرة من حكم كارلوس الأول، ونُشرت في فالنسيا عام 1566. لكن، خلافاً لما يُظن، يؤكد مينينديث بيلايو أن هذه القوات لم تصل قط إلى رودس، التي حوصرت منذ 28 يوليو 1522 حتى سقطت بيد الأتراك في 1 يناير 1523. أما غارسيلاسو نفسه، فقد وصف بوسكان في إغلوغته الثانية بأنه:

> «مفعم بعاطفة حكيمة، نبيلة وعذبة... رجل كامل في أرفع مقامات الفن الصعب لفن البلاط، المعلّم للحياة الإنسانية الرقيقة».

في عام 1529 تذكر الوثائق أنه كان على وشك الزواج من إيزابيل مايا، وفي 1532 شارك في الدفاع عن فيينا. ثم في عام 1536 توفي رفيق دربه في السيف والقلم، غارسيلاسو دي لا ڤيغا، فنعاه بوسكان في سونيته رقم 129، حيث يخاطبه بأسى متسائلاً عن سبب تركه وحيداً في هذه الدنيا الفانية، ومعبّراً عن ألمه لغياب صديقه ووفائه لذكراه. ينفي مارسيلينو مينينديث بيلايو أن يكون اسم نيموروسو في إغلوغات غارسيلاسو يخفي وراءه شخصية صديقه بوسكان، كما كان يعتقد لويس ثاباطا دي تشابيث. وأخيراً، في عام 1539، يتزوج الفارس الكتالاني من السيدة المثقفة آنا خيرون دي ريبوليدو، وهي سيدة من فالنسيا، وقد رزق منها بثلاث بنات: ڤيولانتي، وماريانا، وبياتريس. وفي رسالته إلى مينديثا (Epístola a Mendoza) يصرّح بأنه وجد معها السعادة. من المرجّح أن الإعجاب الذي كان يكنّه بوسكان لأعمال الشاعر أوسياس مارش (الفالنسي، مثل زوجته العزيزة) قد انتقل منه إلى غارسيلاسو، إذ يمكن تلمّس أصداء هذا الشاعر الشرقي في بعض قصائد الشاعر التوليداني، وإن كانت أقل بكثير مما يظهر في أشعار صديق بوسكان الآخر، غوتييرّيه دي سيتينا.

في عام 1526 سافر بوسكان إلى غرناطة بمناسبة زواج الإمبراطور من إيزابيل دي برتغال. وخلال إقامته هناك التقى بكلٍّ من النونسيو البابوي الموفد من قِبل البابا كليمنتي السابع، الكاتب بلتسار كاستيليوني، وبـ أندريا نڤاجيرو، سفير البندقية. وفي أثناء حديثه مع هذا الأخير في حدائق الجنّة العريف (الجنراليف)، أقنعه بأن يكرّس جهده لكتابة الشعر القشتالي مستخدماً الأوزان التوسكانية.

كان بوسكان، الذي سبق أن اشتغل بالشعر الغنائي الكانسونيري ذي الطابع المفهومي والبلاطي، هو من أدخل إلى الشعر القشتالي البيت الإندكاسيلابي (محققاً فيه نجاحاً وإتقاناً أكبر من سلفه، إنييغو لوبيث دي مينديثا، مركيز دي سانتيلانا، الذي نظم اثنين وأربعين سونيته على الطريقة الإيطالية)، إلى جانب الأشكال الشعرية الإيطالية مثل السونيته، والأوكتافا ريال، والتيرثيتو المترابط، والأغنية المكوّنة من مقاطع، فضلاً عن القصيدة المؤلفة من أبيات إندكاسيلابية غير مقفّاة، وكذلك المضامين والبُنى البتراركية التي أصبحت جزءاً من الشعر الإسباني. وكما يروي بنفسه، فقد أقنع بهذه التجديدات أيضاً صديقيه غارسيلاسو دي لا ڤيغا ودييغو أورطادو دي مينديثا. بل وأكثر من ذلك، كتب بوسكان البيان الجمالي الذي دشّن النزعة الإيطالية في عصر النهضة الإسباني، وذلك في رسالته التالية التي أدرجها مقدمةً في أحد دواوينه:

> «بينما كنتُ ذات يوم في غرناطة مع نڤاخيرو، نتحدّث في شؤون الفكر والآداب، قال لي: لِمَ لا تُجرّب أن تكتب بالسونيتهات وغيرها من الفنون الشعرية التي يستخدمها كبار مؤلفي إيطاليا؟ ولم يكتفِ بأن قالها عرضاً، بل ألحّ عليَّ أن أفعل ذلك... وهكذا بدأتُ أجرّب هذا النمط من الشعر، فوجدت فيه صعوبة ما، لكونه شديد الصنعة وفيه خصائص كثيرة تختلف عن شعرنا. لكنني شيئاً فشيئاً أخذت أنخرط فيه بحماسة. غير أن هذا لم يكن كافياً ليدفعني إلى المضي بعيداً، لولا أن غارسيلاسو، بحكمه الراجح – الذي لم يكن موضع تقديري وحدي، بل إجماع الجميع – قد ثبّتني في مسعاي هذا. وهكذا، إذ كان كثيراً ما يثني على قصدي هذا، ثم أقرّه أخيراً بمثاله، لأنه هو أيضاً أراد أن يسلك هذا الطريق، جعلني في النهاية أُكرّس أوقاتي لهذا الفن على نحو أرسخ».

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←