حملة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم على القوقاز هي حملة عسكرية شنها مروان بن محمد الأموي (الخليفة الأخير للدولة الأموية الذي قُتل على يد العباسيون لاحقًا) عندما كانَ والياً وأميراً على إمارة أرمينية وأذربيجان الإسلامية (تشمل أرمينيا وجورجيا وأذربيجان وألبانيا القوقازية) ضد إمبراطورية الخزر وممالك جورجيا وأبخازيا، بأمر من ابن عمه والخليفة هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وقد استمرت ما بين محرم، 114 هـ-مارس، 732 م حتى عام 121 هـ-739 م.
وقد بدأت في شهر محرم، 114 هـ-مارس، 732 م، وكانت امتداد لحملة ابن عمه مسلمة بن عبد الملك بن مروان على القوقاز التي انتهت بنفس الشهر من عام 114 هـ، والتي شارك فيها مروان بنفسه في كل معاركها وحِصاراتها وكان أحد قاداتها العسكريون.
وهي جزء من عدة حملات وغزوات شنها الأمويون على الخزر خلال 112 هـ-730 م و113 هـ-731 م بعدما قُتِل الجراح بن عبد الله الحكمي والي أرمينية وأذربيجان وتوغل الخزر بجيوشهم لأراضي المسلمين في القوقاز وما وراء النهر وبلاد فارس حتى وصلوا للموصل، وكان من ضمن هذه الحملات حملة سعيد بن عمرو الحرشي في القوقاز وحملة الجنيد بن عبد الرحمن المري في بلاد ما وراء النهر وحاربهم أيضاً سورة بن الحر الدارمي والي سمرقند الذي قُتل على يدهم أيضاً، وهدف هذه حملات الجنيد وسعيد التي أرسلها الخليفة هشام هو الحد من خطر الخزر وحماية المسلمين واستعادة ما احتلوه من الديار الإسلامية وردعهم عن غزو الدولة الأموية والانتقام منهم لما فعلوه مع الجراح بن عبد الله الحكمي وجيشه.
عندما قُتِل والي جنوب القوقاز الجراح، أرسل الخليفة هِشام سعيد بن عمرو الحرشي سريعاً إلى جنوب القوقاز مع جيش فهزم الخزر وحرر نساء الجراح الحكمي وأولاده وبقية أسرى المسلمين وأهل الذمة من قبضة الخزر، وهزمهم في عدة معارك وانتقم للمسلمين، ولم يكتفِ هشام بن عبد الملك بالانتصارات التي حققها سعيد فقام بتولية أخيه مسلمة بن عبد الملك على جنوب القوقاز مرة أُخرى في شهر شوال، 112 هـ-ديسمبر، 730 م وأرسله مباشرة مع جيش كبير كان من قاداته بعض أمراء بني أمية مثل ابن عمه مروان بن محمد، وأرسل معه أيضاً العباس ابن أخيه الخليفة الوليد بن عبد الملك وابنه سليمان بن هشام بن عبد الملك، قام مَسلمة بقتال الخزر لمدة عامين تقريباً وهزمهم وفتح عدة حصون وقلاع ومدن أكبرها مدينة دربند (باب الأبواب)، وقام بطرد الخزر من جميع أراضي المسلمين بالقوقاز واسترد جميع المدن التي اخذوها من المسلمين وجعل مدينة دربند عاصمة لإمارة أرمينية وأذربيجان وبناها من جديد وحصنها وقواها، وقام بتوطين أربع وعشرين ألف جندي من أهل الشام فيها، وجعل فرنر بن سويد الثعلبي نائباً مكانه على الإمارة، واستخلف ابن عمه مروان بن محمد على الجيش والجنود والمسلمين الذين فيها في شهر محرم عام 114 هـ، ثم عاد إلى الشام لأخيه هشام بن عبد الملك لكي يخبره بما حققه.
عند عودة الجيش للشام كانوا يتحدثون عن انتصارات مروان وبطولاته بدلاً عن انتصارات مسلمة أخيه فقام بتوليته على الإمارة، بعدما عرف الخزر بذهاب مسلمة عادوا إلى مدنهم التي فتحها مسلمة وسكنوها مجدداً، فجمع مروان ما استطاع من جنود الإمارة فقدّر عددهم بأربعين ألف، فسار بهم إلى شمال القوقاز وبدأ يحارب الخزر وطردهم من جديد وقتل من جنودهم أعداد ضخمة وآسر منهم الأولوف وسباهم، ثم في عام ربيع عام 115 هـ-733 عين هشام سعيد بن عمرو الحرشي على الإمارة لرغبة مروان العودة للشام فقاتلهم سعيد لمدة سنتين حتى أصابه مرض فعزله هشام وأعاد مروان لها ولكن مروان سرعان ما عاد للشام متخفياً لإخبار الخليفة هشام بخططه وأنه يريد شن حملة على الخزر وأهل القوقاز أقوى ممن سبقها من الحملات لانهاء خطرهم بشكل دائم ونهائي هم وأعوانهم من ملوك القوقاز وأمرائها، فأُعجِب هشام بقراره وطلب منه مروان أن يمده بجيش عدده 120 ألف جندي حتى يقوم بانهاء خطرهم ففعل هشام ذلك. ثم أرسل له هشام المدد الذي طلبه وهو 120 ألف وضمهم مع من استطاع من جنوده فكان عددهم 150 ألف جندي، فبدأ التخطيط للقضاء على مخاطر الخزر وذلك بخداعهم بأنه يريد الصلح والسلام معهم، وذلك لكي يكسب الوقت لتجهيز الجيش وتدريبه وتنظيمه فراسل ملك الخزر خاقان طالباً السلام معه وظل يُساير الملك حتى استعد عندها انقلب وأنذرهم بالحرب وتراجع عن معاهدة السلام، وأرسل رسول الخزر لكي يخبرهم بالحرب ومشى بالجيش وراءه بذات الوقت، وخلال المسير عبر مدينة بلنجر وفتحها ثم عبر مدينة سمندر (ثاني أكبر مدن الخزر وإحدى عواصمهم) وفتحها، وأكمل مسيره حتى وصل لعاصمتهم اتيل أو «البيضاء» كما سماها المؤرخون العرب، وما أن وصل رسول الخزر للملك لينذره بالحرب حتى صُدم الخزر بالجيش عند عاصمتهم اتيل، فارتعب الخزر وخافوا وقرر خاقان بنصيحة من مستشاريه الهرب من الجيش الضخم إلى الجبال فأخذ المسلمين العاصمة وبسطوا سيطرتهم عليها، ثم اتجه مروان لاوروبا بغية غزو شعوبها القريبة من اتيل فعبر نهر الفولغا وبحر قزوين فواجهه شعوب السلاف أو الصقالبة كما سماهم العرب، وهزمهم وآسر منهم أكثر من 20 ألف شخص وسباهم معه وعاد لاتيل.
ومع مرور الأيام أخبر أحد الجواسيس مروان أن الخاقان أرسل عليهم سراً جيش قوامه 40 ألف مقاتل وأنهم بالطريق، فأعد لهم مروان أربعين ألف جندي لمفاجأتهم بالطريق على رأسهم الكوثر بن الأسود العنبري التميمي فقام بقتل قائدهم هزار طرخان وقَتَل منهم 10 آلالاف وآسر 7 آلالاف، وترك الباقون يهربون وعاد لمروان. بعد ذلك أصاب الخزر الرعب والخوف الشديد من العرب وأنه لا مصير إلا طلب السلام، فراسل خاقان مع مروان يطلب الصلح فرفض مروان ووضعه أمام ثلاث خيارات وهي دخول الإسلام أو الجزية أو الحرب معه فقبل خاقان الإسلام وطلب قبل ذلك فقيهان يشرحان له الدين، وبعد أن عرف الإسلام دخله وبقي الفقيهان هناك يعلمانه الدين ودخل معه الدين كثير من عائلته والخزر، وبعدها تصالح معه مروان وأرسل له خاقان هدايا فقبلها وأصبحت دولة الخزر تحت سيطرته فجعل مروان خاقان ملكاً على دولة الخزر ولم يُغيّره أو يأخذ عرشه منه بسبب إسلامه وهكذا توقفت حروب الخزر والعرب.
ثم ترك أسيد بن زافر السُلمي نائباً على دربند كالعادة، وعسكر في بلد اسمه كسال - وكان بنى به مدينة سابقاً - فبقي هناك حتى انتهى الشتاء، فقرر غزو بلد يُقال له «السرير» فدخلها فبدأ يفتح حصونها وقلاعها وقصورها واحداً تلو الآخر وينتصر عليهم أحياناً عن طريق الحيلة وأحياناً يحاربهم فيهزمهم ويقتل الجنود ويآسر الباقون ويسبيهم ويهدم الحصون والقلاع بعدها حتى وصل لملكهم الذي هرب لأقوى حصونه وهو حصن «خيزج» فحاصره مروان فلَم يستطع دخول الحصن بأي طريقة كانت فأقسم أنه لن يغادر المكان حتى يستطيع دخول القلعة أو يموت أثناء ذلك، وأمر الجنود ببناء البيوت بجانبه وحاصره سنة كاملة حتى قام بأحد الأيام قرر التنكر كشخص عادي وغيّر مظهره وارتدى ملابس طباخه، وذهب إلى أصحاب القلعة وادعى أنه رسول يحمل رسالة من مروان يطلب فيها أن يتجول في القلعة حتى يقضي قسمه ونذره وعندها سيذهب ويتركهم بدون حرب -وقد تنكر لكي يتجسس على القلعة ويجد ثغرة ليدخل منها-، فقال الملك لخدمه متاخراً أن يأخذوا الرسول - وهو لا يعلم أنه مروان نفسه - لكي يرى أنه قلعتهم منيعة ولا يستطيع أحد دخولها، فرآها مروان ووجد ثغرة يستطيع الدخول منها للقلعة ثم خرج منها، فكتب رسالة يهدد بها الملك ويخبره أنه هو الرسول وأنه وجد ثغرة بالقلعة وسيهزمه قريباً فخاف الملك وعرض الصلح على مروان فوافق مروان مقابل أن يدفع الجزية للمسلمين وإتاوة ضخمة كل سنة وأن يخضع لهم فوافق الملك وخرج مروان منتصر، ثم اتجه إلى منطقة تومان وحاصرهم فخضعوا له فوراً وقبلوا بالجزية والإتاوة كل سنة، ثم ذهب لمدينة زريكران ففعلوا نفس الشيء ورضوا بدفع الجزية للمسلمين، ثم إلى أرض حمزين الذين رفضوا الجزية واستعدوا للحرب فحاصرهم شهراً وقُتِل الكثير من المسلمين فنادى مروان على الجيش يطلب مَن يجد طريقة للتغلب عليهم ويعده بالمكأفاة العظمى فتطوع رجل من قبيلة تنوخ وذهب إلى آخر المدينة وتسلق أسوارها حتى وصل لمكان عالٍ وصرخ «الله أكبر» فخاف الجيش ظناً منهم أن المسلمين دخلوا من خلفهم ففتحوا الباب واستسلموا وهرب ملكهم «حمزينشاه» إلى قلعة آخر واختبئ بها، وهُزِم شعبه فآسرهم المسلمين وأثناء مكأفاة مروان للتنوخي قام أحد الأسرى بقتله فغضب عليهم مروان وأمر بقتل كل جنود حمزين وقام بتخريب وتدمير 300 قرية بمدينتهم عقاباً، ثم ذهب لحصار حمزينشاه في حصنه فاستسلم له ودفع الجزية والإتاوة له كل سنة، وفرض على أهل طبرسرانشاه الجزية، وأكمل مروان فتوحاته حتى فتح كل حصن وقلعة وقصر في بلاد السرير وحمزين وتومان وسندان وما حولها، وخيّر أهلها بين الإسلام أو الحرب أو الجزية فرضوا بالجزية ثم عاد إلى دربند مع حلول الشتاء.
ولمّا حل الربيع جمع حوله ملوك الجبال المسلمين من شروان وإيران وقيلان وطبرستان مع جنودهم وذهب بهم إلى بلد اللكز لفتحها، وجعل أسيد بن زافر نائباً على الإمارة، فذهب وعسكر بقرية بيلستان الواقعة على ضفاف نهر السمور فبدأ يوزع رجاله وجنوده على بلاد اللكز يفتحونها وأرسل الغارات بكل اتجاه وحاصر ملكها أربيس بن بسباس، وبقي سنة كاملة يحاربهم ويقتلهم ويآسرهم يغير عليهم وطال الحصار حتى قرر الملك الهرب ليلاً مع بعض أصحابه متنكر يريد الذهاب لملك الخزر، ومروان لا يعلم، فهرب حتى تجاوز مدينة دربند فوجد أثناء تخييمه راعي غنم مع ماشيته فأمر أصحابه بسرقة شاة لأكلها وبسبب هذا قتله الراعي بسهم وهرب أصحاب الملك، وعندما عرف الراعي هويته ذهب وأخبر الأمير أسيد بن زافر فأمر بقطع رأس الملك ونادى ابنه يزيد بن أسيد السلمي وأمره بأخذ الرأس لمروان لكي يتأكد أنه قُتِل، فقام مروان بوضع الراس على رمح لكي يراه أهل القلعة فلمّا رأوه استسلموا فأعطاهم مروان الأمان وفرض عليهم الجزية وجعل أحد رجاله وهو خشرم السُلمي أميراً عليهم. ثم ذهب إلى قلعة سوران فاستسلموا له، ثم ذهب إلى الرودانية فحاربهم وانتصر عليهم.
ثم أرسل كتيبتين إلى جبل القبق ببلاد اللان ففتح أحدهما ثلاث حصون وأسلم كثير من أهلها، والآخر حاصر مملكة تومانشاه حتى استسلم فألقوا القبض عليه وقام مروان بإرساله إلى الشام للخليفة هشام فعفى عنه وأطلق سراحه وأرجعه مروان إلى عرشه مع الخضوع للمسلمين ودفع الجزية كل سنة. ثم غزا بلاد الملك ورتنيس من ثلاثة طُرُق وحاصرهم ورماهم بالمجانيق فهرب ورتنيس فقام بقتله أهل مدينة خمرين وبعثوا برأسه لمروان الذي رفعه لأهل بلده فاستسلموا. وظل يغزو حتى عام 121 هـ وبهذا اتم فتح جميع المدن غير المسلمة في أرمينية وأذربيجان وبلاد الخزر وجورجيا وداغستان وأبخازيا في جنوب القوقاز وأصبح كل السلطة بالمنطقة للمسلمين. ثم استقر كوالي للإمارة في دربند حتى مات هشام وأصبح الوليد بن يزيد الخليفة فأبقاه والياً حتى عام 126 هـ عندما حدثت الفتنة في دمشق وقُتِل الوليد فقرر عندها مروان العودة لانهاء الفتنة والانتقام ممن قتل الوليد، فجعل إسحاق بن مسلم العقيلي نائباً عنه على الإمارة وعاد للشام.