نبذة سريعة عن جعفر المقتدر بالله

أميرُ المُؤمنين وخليفةُ المُسلمين الإمام أبُو الفَضْل جَعْفَر المُقْتَدِر بالله بن أحمد المُعتضِد بن طلحة المُوفَّق بن جعفر المُتوكِّل بن مُحمَّد المُعتصم بن هارُون الرَّشيد بن مُحمَّد المهدي القُرشي الهاشِميُّ العبَّاسيُّ (22 رمضان 282 – 28 شوال 320هـ / 13 نوفمبر 895 – 1 نوفمبر 932م)، المعرُوف اختصارًا باسم المُقتدر أو المُقتدر بالله، هو الخليفة الثَّامن عشر من خُلفاء بني العبَّاس. والخليفة السَّابع والثلاثون بعد النبي مُحمَّد. حكم الدَّولة العبَّاسية (13 ذو القعدة 295 – 28 شوال 320هـ / 13 أغسطس 908 – 1 نوفمبر 932م)، بعد أن عهد إليه أخوه علي المُكتفي بالله على فراش المرض، وعمر المُقتدر ثلاث عشرة سنة، ليكون أصغر من تولى الخلافة في التاريخ.

وُلد الأمير جعفر في خلافة أبيه أحمد المُعتضد بالله (892 – 902 م)، وترعرع في خلافة أخيه عليٍّ المُكتفي بالله (902 – 908 م)، في وقت كانت الخلافة العبَّاسيَّة تشهد انتعاشًا واستقرارًا متزايدًا منذ خلافة أحمد المُعتمد على الله (870 – 892 م)، إلا أن مرض المُكتفي واقتراب أجله قد أوقع أصحاب النُّفوذ في حيرة، فدعتهم المصلحة وعلى رأسهم الوزير العبَّاس بن الحسن وبمشورة ابن الفُرات، لترشيح جعفر الذي كان يبلغ من العمر 13 عامًا إلى الخليفة المُكتفي، لتكون بداية اختلال الأمور وهبوط قُوَّة الدَّولة لصغر سنه وقلة معرفته. لم يرضَ قسمٌ كبير من الطبقة المُتنفذة هذه الخطوة، فثار عبد الله بن المعتز طلبًا للخلافة بعد أربعة شهور من خلافة المُقتدر، واستولى على بغداد ليومٍ واحد، إلا أن مؤنسًا وغِلمان المُعتضد استعادوا السَّيطرة وقبضوا على ابن المُعتز وأعدم.

انشغل المُقتدر بمجالس اللَّهو والطرب والجواري في أول خلافته بدعمٍ من والدته السَّيدة شغب، بهدف إدارة البلاد وتسيير الشؤون مع قهرماناتها والوزراء، ومع أنها شهدت فترة جيدة في أوائل حكمه إلا أن الأمور بدأت تزيد سوءًا، فقد حاول الصَّفَّاريون استغلال الأحداث والسيطرة على فارس، وثارت أذربيجان في وجه الخلافة بقيادة سُبُك غلام ابن أبي السَّاج، وتمرَّد الحُسين بن حمدان في الجزيرة. ولعلَّ أخطر الاضطرابات التي أثَّرت على الدولة واستنزفتها على المدى البعيد، هو ظهور القرامطة في بلاد البحرين، وهم من الشيعة الإسماعيليين، فهجموا على جنوب العراق، ونهبوا البصرة، ودمروا الكوفة، وقتلوا الحُجَّاج، ولعلَّ أخطر ما قاموا به هو هجومهم على مكَّة واقتلاع الحجر الأسود من مكانه إلى عاصمتهم هجر، حتى أعادوه بعد 22 عامًا. أثارت هذه الأحداث أنظار الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة حينها، فقد شد انتباهها الضَّعف الذي سرى في جسد الخلافة وصراعاتها الدَّاخلية، فأغاروا على ملطية مرارًا، واستولوا على أرض الرُّوم وأخرجوا المُسلمين من أرمينية.

ومن الأحداث التي أنذرت بتغيُّر موازين القوى، هو ظهور الدَّولة الفاطميَّة الشيعيَّة الإسماعيليَّة في بلاد إفريقية، والتي أعلن داعيها أبو عبد الله الشيعي بدء خلافة عُبيد الله المهدي العلوي، وعلى الرَّغم من الجدال الذي دار حول نسبه إلى العلويين، فقد تمكن الفاطميون أساسًا مُعتمدين على قبيلة كتامة البربريَّة، من الاستيلاء على كامل إفريقية وما جاورها، فأنهوا إمارة الأغالبة الذين خطبوا باسم الخليفة العبَّاسي بعد أن حكموا لنحو قرنٍ من الزمان، وقضوا على حكم بني رستم وبني مدرار خلال سنوات معدودة. وضع المهدي الفاطمي أراضي الخلافة العبَّاسيَّة نُصب عينيه، فشن ثلاث حملات مُتعاقبة في محاولة للسيطرة على برقة ومصر والتوغُّل في عمق البلاد.

وعلى الرَّغم من كل تلك الأحداث العصيبة المُتلاحقة، فإنها قد ساهمت في تحريك القيادة العبَّاسيَّة للتدخُّل، وبدأ المُقتدر مع والدته ووزرائه في محاولة إيقاف هذه الهجمات أو إخمادها، فعُيِّنَ مؤنس الخادم قائدًا للجيش وأجرت الدولة عددًا من الإصلاحات والسياسات، وموَّلت حملات عسكريَّة كثيرة على مرور السَّنوات، فتمكن العبَّاسيون من إيقاف هجمات القرامطة على جنوب العراق، وانهزم الصَّفَّاريون واستُعيدت فارس لحضن الخلافة، وتعرَّض الفاطميون للهزيمة السَّاحقة في حملاتهم الثلاثة نحو برقة ومصر بعد أن ظهرت براعة القائد مُؤنس وثبات جيشه، وضُبطت شؤون أذربيجان بإعادة تعيين ابن أبي السَّاج، ولاذ الحُسين بن حمدان إلى أرمينية، وشُنَّت حملات صيفيَّة سنويَّة على الرُّوم، وفي المقابل، زادت قُوَّة الجيش وزادت أرزاقهم، والتي كانت سببًا في استنزاف خزينة الدَّولة جنبًا إلى جنب مع أرزاق الخدم والحشم والفساد الوزاري مع مرور الوقت.

عين المُقتدر العديد من الوزراء خلال مدة حكمه، لتلمع أسماء منهم، مثل ابن الفُرات، وابن الجرَّاح، والذين عملوا على تحسين أمور البلاد خلال وزارتهم لعدد من المرات، إلا أنهم تعرَّضوا للقبض بتهم كثيرة وغالبًا ما كانت بتحريض من السَّيدة شغب وقهرماناتها المُتنفذات، بهدف تعيين وزراء بالرَّشاوي، مثل أبي علي الخاقاني وحامد بن العبَّاس، وغيرهم، إلا أن الدَّولة أُصيبت بعجز مالي كبير نتيجة سوء إدارتهم وفسادهم وما تكلَّفته الدولة من تمويل الحروب والمعارك المستمرة، ودفع أرزاق الجُند والخدم والحشم المُتزايدة، ما أدى لارتفاع الأسعار واضطراب الأوضاع بحلول السنوات الأخيرة من حكم المقتدر، ليصبح مصير هؤلاء الوزراء القبض عليهم كسابقيهم.

بدأ المُقتدر يصطدم مع قائده مُؤنس المُظفَّر بعد سنة 311هـ / 923 م لوجود العديد من الأسباب، فساءت العلاقة بينهما حتى تفجَّرت بعزل المُقتدر للمرة الثانية (بعد انقلاب ابن المُعتز) في سنة 317هـ / 929م، وعيَّن بدلًا منه القاهر بالله بن المُعتضد، إلا أن خلعه لم يدم سوى ليلتين، فعاد المُقتدر وعادت الأمور لنصابها بعض الشيء، إلا أن المُقتدر لم يستطع مُجاراة مُؤنس واستبداده في الحُكم، حتى قرر الأخير خلعه نهائيًا، فتوجَّه إلى الموصل، وحشد ما أمكن من الجيش، في حين كان المُقتدر يُعاني من أزمات ماليَّة شديدة لم يتمكن على إثرها من حشد جيش لمواجهته، لتدور معركة سريعة بين الطرفين في بغداد، انتهت بمقتل الخليفة المُقتدر بالله على يد جيش مُؤنس 28 شوَّال سنة 320هـ / 1 نوفمبر 932م.

تُعد خلافة المُقتدر بالله نهايةً للنَّهضة العبَّاسيَّة التي حدثت في زمن عمه المُعتمد (وجده الموفق بالله) وأبيه المُعتضد وأخيه المُكتفي، وذلك راجعٌ إلى صِغَر سنه، وتحكم والدته والقهرمانات ووجود وزراء لم يكونوا في المستوى المطلوب للأحداث الخطيرة التي سرت حول الدَّولة، إضافةً إلى أنها كانت علامة النهاية للدَّولة، والتي زاد ضعفها بعد وفاته، حتى جاءت الدَّولة البويهيَّة الشيعيَّة الفارسيَّة وسيطرت على بغداد في جُمادى الأولى سنة 334هـ / ديسمبر 945 م لتُحكم قبضتها على الخلافة ويصبح الخُلفاء العبَّاسيون مُجرَّدين من السُّلطة إلى ما يُقارب قرنًا من الزمان ما أدى إلى ظهور العديد من الإمارات والدُّول المُستقلَّة.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←