يُعرِّف هوسرل الفينومينولوجيا بأنها العلم الذي يدرس خبرة الوعي، خبرته بالأشياء، وخبرته بذاته. وهذا هو ما يفتح أمامنا مجالاً للمقارنة بين كانط وهوسرل، إذ هما يشتركان معاً في البحث في المعرفة باعتبارها خبرة للوعي. لم يستخدم كانط مصطلح «الفينومينولوجيا» طوال كتابه «نقد العقل الخالص»، لكن استخدمه في أعمال أخرى مثل «المبادئ الميتافيزيقية الأولى للعلم الطبيعي»، وكان يعني بها دراسة الحركة من منظور المراقب، وهو معنى بعيد تماماً عما كان يقصده هوسرل من الفينومينولوجيا. ولم ينظر كانط إلى منهجه على أنه فينومينولوجي بل على أنه ترانسندنتالي، أي يتجاوز الخبرة التجريبية للبحث عن أصل المعرفة انطلاقاً من الشروط القبلية التي تجعلها ممكنة. وهو لم يستخدم كلمة الوعي بكثرة بل كان يستخدم أسماء أخرى مثل الحس والفهم والمخيلة لكن ليصف بها ملكات معرفية للوعي، أو للنفس البشرية بتعبيره. وعلى الرغم من كل هذا فإن تحليلات هوسرل المعرفية تكشف عن قرب كبير من كانط، بل عن وحدة في بعض الغايات.
التركيز في هذا التحليل سوف يكون على عناصر التحليل الفينومينولوجي لدى هوسرل، لا على خطوات أو لحظات المنهج الثلاث المتعارف عليها: تعليق الحكم والبناء والإيضاح. وننطلق في ذلك من قناعة بأن الفينومينولوجيا في حقيقتها ليست منهجاً يسير حسب خطوات، لأنها بذلك تكون أداة بحث وهي ليست كذلك. إنها في الأساس أسلوب في التحليل وطريقة في دراسة الوعي. فالمقارنة بين كانط وهوسرل سوف تركز على أسلوب التحليل المتشابه لديهما وعلى أدوات التحليل ذات المضمون والوظيفة الواحدة على الرغم من اختلاف الأسماء، لا على خطوات منهجية يقوم بها الباحث كما لو كانت إرشادات مرورية أو وصفة لإعداد نوع من المأكولات. إن المنهج بهذه الطريقة ليس إلا مذهباً متنكراً في صورة منهج.