رحلة عميقة في عالم القارب النفاث

القارب النَّفاث هو نوع من القوارب يعتمد في حركته على دفع مائي نفاث يُدفع من المؤخرة. ويتميّز عن القوارب المزودة بالمحركات التقليدية التي تستخدم مراوح خارجية مغمورة في الماء خلف القارب أو أسفله، يعمل القارب النَّفاث على سحب المياه من أسفل الهيكل عبر فتحة سفلية، ثم تمريرها داخل القارب إلى مضخة مائية تقوم بتسريع تدفقها، ليُعاد دفعها بقوة عبر منفث عند المؤخرة، مما يولّد قوة دفع تُحرك القارب وتمنحه قدرة عالية على المناورة.

طور القارب النَّفاث الحديث المهندس النيوزيلندي السير ويليام هاملتون في منتصف خمسينيات القرن العشرين، وجاء تطويره استجابةً للحاجة إلى وسيلة مائية قادرة على الملاحة في الأنهار السريعة والضحلة في نيوزيلندا، والتي لم تكن المراوح التقليدية صالحة للعمل فيها.

كانت المحاولات السابقة لتطوير الدفع بالماء النفاث قصيرة العمر، بسبب التصميم غير الفعال للوحدات وقلة المزايا التي كانت تقدمها مقارنة بالمراوح التقليدية. وعلى عكس هذه المحاولات، مثل محاولات كامبيني وهيدروجيت هانلي، كان لدى هاملتون حاجة محددة لنظام دفع قادر على العمل في المياه الضحلة جدًا، وأثبت الدفع بالماء النفاث أنه الحل الأمثل.

انتشرت الوحدة النفاثة والقارب النَّفاث بسرعة، وتبين أن الدفع بالماء النفاث يتفوق على المراوح في مجموعة واسعة من أنواع القوارب، ويُستخدم الآن على نطاق واسع في العديد من السفن عالية السرعة، وعبّارات الركاب، وقوارب الإنقاذ، وقوارب الدوريات، وسفن الإمداد البحرية.

تتميّز القوارب النَّفاثة بقدرتها الفائقة على المناورة، يمكن للعديد منها التراجع بسرعة كاملة والتوقف ضمن مسافة تقارب طول القارب نفسه، في عملية تُعرف باسم التوقف المفاجئ. ومن بين المناورات الشهيرة أيضًا دورة هاملتون أو الدوران النفاث، وهي مناورَة عالية السرعة تتم من خلال قطع دواسة الوقود، مع تحريك الدفة بشكل حاد، وإعادة فتح دواسة الوقود، ما يؤدي إلى دوران القارب بسرعة كبيرة مع رذاذ ماء كثيف.

لا يوجد حد هندسي لحجم القارب النَّفاث، غير أن جدوى استخدامه تتوقف على طبيعة الغرض منه. فالمراوح التقليدية تكون عادةً أكثر كفاءة وأقل تكلفة عند السرعات المنخفضة، حتى نحو 20 عقدة 37 كيلومترًا في الساعة، لكن مع ارتفاع السرعة تُولّد الدعامات والدفة والأعمدة مقاومة إضافية تجعل الدفع النفاث أكثر كفاءة حتى حدود 50 عقدة 93 كيلومترًا في الساعة. أمّا في حالة المراوح الضخمة التي تعمل بسرعات بطيئة، كما هو الحال في قوارب السحب، فإن حجم وحدة الدفع النفاث المكافئة سيكون بالغ الكِبَر بحيث يصبح غير عملي. ولهذا تُستخدم معظم وحدات الدفع النفاث في السفن السريعة، وفي البيئات التي تكون فيها قلة الغاطس، وسهولة المناورة، ومرونة الحمولة من المتطلبات الأساسية.

تُعَدّ أكبر السفن العاملة بالدفع النفاث تلك المستخدمة في المجال العسكري وفي العبارات السريعة المخصَّصة لنقل الركاب والمركبات. ومن أبرز الأمثلة فرقاطات فئة فالور في جنوب أفريقيا، التي يبلغ طولها نحو 120 مترًا، وسفينة القتال الساحلي التابعة للولايات المتحدة بطول 127 مترًا، وتُصنَّفان من بين أكبر السفن العاملة بالدفع النفاث عام 2020. وعلى الرغم من حجمها الكبير، فإن هذه السفن قادرة على تنفيذ مناورات التوقف المفاجئ.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←