إتقان موضوع الغزوات البربرية داخل الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث

شَكَّلت الغزوات البربرية في القرن الثالث (212-305) فترة متواصلة من الغارات داخل حدود الإمبراطورية الرومانية، والتي نُفذت لأغراض النهب والاغتنام بواسطة جماعات مسلحة تنتمي إلى مجتمعات متاخمة للحدود الشمالية: البيكتيون، والكاليدونيون، والساكسون في بريطانيا؛ والقبائل الجرمانية من الفريسي، والساكسون، والفرنجة، والألامانيين، والبرغنديين، والماركومانيين، والكواديين، واللوغيين، والوندال، واليوتونجيين، والغبيديين، والقوط (طرونجة في الغرب، والغريوثونجي في الشرق)، وقبائل الداتشيين من الكاربيين والقبائل السارماتية من الأيازيجيس، والروكسولانيين، والألان، إضافةً إلى الباستارنيين، والسكوثيين، والبورانيين، والهيروليين على طول نهري الراين والدانوب والبحر الأسود.

لم تمارس القبائل الجرمانية السارماتية مثل هذا الضغط القوي على طول الحدود الشمالية للإمبراطورية الرومانية منذ عهد ماركوس أوريليوس خلال الحروب الماركومانية (166/167-189).

كان الخطر المتزايد على الإمبراطورية الرومانية من الجرمان والسارماتيين يُعزى أساسًا إلى تغيُّر في البنية القبلية لمجتمعهم مقارنةً بالقرون السابقة: إذ كان السكان المتزايدون باستمرار، والمدفوعون بالشعوب الشرقية، كانوا بحاجة إلى أراضٍ جديدة للتوسع، وإلا انقرضت القبائل الأضعف. ومن هنا جاءت الحاجة إلى التجمع في اتحادات إثنية كبيرة، مثل اتحادات الألامانين والفرنجة والقوط، وذلك إما لتعزيز هجومهم على الإمبراطورية المجاورة أو للدفاع عن أنفسهم ضد غارات الشعوب البربرية المجاورة الأخرى. ومع ذلك، يرى باحثون آخرون أن الاحتكاك والمواجهة مع الحضارة الإمبراطورية الرومانية (ثروتها ولغتها وأسلحتها وتنظيمها) إضافةً إلى ضغط الشعوب الخارجية، هو ما دفع الشعوب الجرمانية إلى إعادة هيكلة وتنظيم نفسها في أنظمة اجتماعية أكثر متانة وديمومة، قادرة على الدفاع عن نفسها بنحوٍ أفضل أو مهاجمة الإمبراطورية جديًّا. من جانبها، كانت روما تحاول منذ القرن الأول الميلادي منع تغلغل البرابرة من خلال التحصُّن خلف الليمس، وهو الخط المتواصل من التحصينات الممتدة بين نهري الراين والدانوب والذي بُنِي خصيصًا لاحتواء ضغط الشعوب الجرمانية.

سهّلت فترة انعدام الاستقرار الداخلي الشديد التي اجتاحت الإمبراطورية الرومانية خلال القرن الثالث أيضًا اختراق الشعوب البربرية على طول الليمس. إذ شهدت روما تعاقبًا مستمرًا للأباطرة ومغتصبي السلطة (ما يُسمى بالفوضى العسكرية). لم تقتصر الحروب الداخلية على استنزاف موارد مهمة في الصراعات بين مختلف المتنافسين فحسب، بل - والأخطر من ذلك - أنها أدت في نهاية المطاف إلى إنهاك الحدود نفسها التي تعرّضت للعدوان البربري.

وكأن هذا لم يكن كافيًا، فقد حلّ الساسانيون محلّ سلالة الفرثيين الفارسية على طول الجبهة الشرقية لبلاد الرافدين وأرمينيا ابتداءً من عام 224 فصاعدًا، والتي هاجمت الإمبراطورية الرومانية بشراسة في مناسبات عديدة، مما اضطرها إلى تحمل هجمات انضمت اليها احيانًا غزوات أقل ضراوةً، لكنها خطيرة، شنّتها قبائل البربر من الموريين والباكاوات وقبائل الحلف الخماسي والنوباتيين والبليمييين على طول الجبهة الأفريقية. أظهرت روما أنها تواجه صعوبة بالغة في خوض هذا العدد الكبير من الحروب في آنٍ واحد، وكادت أن تنهار قبل قرنين من الزمان.

تمكنت الإمبراطورية من إنقاذ نفسها من الانهيار النهائي والتفكك بفضل التقسيم الداخلي والمرحلي اللاحق للدولة الرومانية إلى ثلاثة أجزاء (إلى الغرب إمبراطورية الغال، وفي الوسط إيطاليا وإيليريكوم والمقاطعات الأفريقية، وإلى الشرق مملكة تدمر). لكن على أيّة حال، لم تنجح، إلا بعد وفاة غالينوس (268)، مجموعة من أباطرة الثكنات من أصل إيليري (كلاوديوس القوطي، وأوريليان، وماركوس أوريليوس بروبوس) في إعادة توحيد الإمبراطورية في كتلة واحدة في النهاية، مع أن الحروب الأهلية التي كانت مستمرة منذ حوالي خمسين عامًا والغزوات البربرية أجبرت الرومان على التخلي عن كل من منطقة أغري ديكوماتيس (التي تُركت للألامانيين في حوالي عام 260) ومقاطعة داتشيا (256-271)، التي تعرضت لغزوات من شعب داتشيا من الكاربيين، والقوط الطرونجة، والسارماتيين الأيازيجيس.

بدأت غزوات القرن الثالث، وفقًا للتقليد، بالغزو الأول الذي قام به اتحاد الألامانيين الجرماني في عام 212 بقيادة الإمبراطور قرقلة، وانتهت في عام 305 حين تنازل دقلديانوس عن العرش لصالح نظام الحكم الرباعي الجديد.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←