السنوسي بن عبدالهادي البراني (1870 - 1953)، الملقب بـ«الشيخ الصالح السنوسي»، زعيم وطني ومجاهد ليبي، من قيادات الجهاد الوطني ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا، وأحد الآباء المؤسسين للدولة الليبية المعاصرة. أحد القادة الميدانيين لـ(معركة القرضابية الحاسمة 1915)، كما كان من زعماء (مؤتمر سرت التاريخي للوحدة الوطنية 1922)، وعضواً في مجلس الشيوخ والأعيان بـ(حكومة أجدابيا الوطنية 1916)، وضابطاً بالمجلس الحربي لـ(معسكرات دور المغاربة)، وبعد الحرب العالمية الثانية وانسحاب الاحتلال الإيطالي رسمياً من شرق وجنوب ليبيا، اًنتدب عضواً للقضاء الشرعي بالمحاكم الأهلية في منطقة أجدابيا وخليج سرت عام 1949.
وُلد بمنطقة آبائه وأجداده «النوفلية» شرقي مدينة سرت الليبية، عام 1870، بـالعهد العثماني الثاني. تلقى تعليمه الديني في الكتاتيب القرآنية، وتحديداً في زاوية النوفلية، إحدى الزوايا السنوسية القديمة، حيث أتم فيها حفظ القرآن الكريم، ومبادئ العلوم الشرعية، وفق أصول المذهب المالكي، وكان شيخ الزاوية السنوسية في النوفلية، آنذاك العلامة: الشريف أحمد بن إدريس.
نشأ «السنوسي البراني» في بيت عز ورياسة، متوارثين لمشيخة عشيرتهم، عشيرة نوفـل من قبيلة المغاربة، إحدى قبائل بني سليم العربية في ليبيا، من أسرة كريمة تُعرف بالجود والسخاء، ويُسر المعيشة، وتشتهر باقتناء سلالات الإبل والخيول العربية الأصيلة. كان والده «الشيخ عبدالهادي البراني» من زعماء حركة الجهاد الوطني والإسلامي ضد طلائع الغزو الفرنسي لتخوم الصحراء الكبرى جنوبي ليبيا عام 1890، تحت قيادة السيد المهدي السنوسي، ومن بعده السيد أحمد الشريف السنوسي.
كان الشيخ المجاهد «السنوسي البراني» من أوائل الزعماء الداعمين والمنضمين إلى صفوف المجاهدين الليبيين ضد قوات الاحتلال الإيطالي، فقد عُيّن ضابطاً بالمجلس الحربي لمعسكرات (دور المغاربة) منذ تأسيسها بمنطقة أجدابيا والبريقة وما حولها، كما اُنتخب عضواً في مجلس الشيوخ والأعيان بـ(حكومة أجدابيا الوطنية) عام 1916، وكان من زعماء البلاد المؤسسين لـ (مؤتمر سرت للمصالحة والوحدة الوطنية) عام 1922، الذي يهدف إلى إنهاء الصراع والانقسام الحاصل عقب الحرب الأهلية الليبية، التي نشبت ما بين (1915 - 1921)، وفرّقت قوات المجاهدين الليبيين، وبالقضاء على أسباب الخلاف والفتنة، أدى هذا المؤتمر إلى استئناف عمليات المقاومة الوطنية شرقاً وغرباً ووسطاً وجنوباً ضد قوات الاحتلال الإيطالي.
اشترك الشيخ «السنوسي البراني» في معارك عدة، ضد قوات الغزو الإيطالي، قيادةً ودعماً وتمويلاً، منها (معركة القرضابية الحاسمة) التي كان أحد قادتها البارزين عام 1915 بضواحي سرت، ومعركة البريقة، ومعركة قرار الرتم، ومعركة النوفلية، ومعركة العويجة، ومعركة أبوهادي، ومعركة الوادي الحمر، ومعركة بئر بلال (معركة الكراهب)، في الفترة الممتدة من دخول الطليان لخليج سرت عام 1913 وحتى وقوعه في الأسر والاعتقال من قبل الإيطاليين عام 1929-1930.
قدمت أسرة الشيخ «السنوسي البراني» الكثير من التضحيات، حيث استشهد خمسة من إخوته وأبنائهم اليافعين في معارك الجهاد الليبي، ما بين أعوام 1915-1923-1927، واستشهد كلاً من أبيه ووالدته الاثنين، أثناء حصار الجيوش الإيطالية لمنتجعات المجاهدين الليبيين، وقصف الطيران الحربي الإيطالي لهم بالسلاح الكيمياوي، وإلقاء (قنابل الفوسوجين الغازية) على منتجعات المجاهدين، ثم اقتحامها واعتقالهم عام 1929.
منتجعات ومعسكرات المجاهدين تلك، بما فيها من قبائل المغاربة وأولاد سليمان وأورفلة والعريبات والفرجان والقذاذفة والعمامرة وأولاد بوسيف وغيرهم، التي أعادت تمركزها منسحبةً من مواقعها بالشمال الليبي، في أجدابيا والبريقة والنوفلية وأهراوة وسرت والجفرة، نحو المرابطة والاعتصام بجبال الهروج جنوبي ليبيا، بعد سقوط منطقة النوفلية التي كانت مركز المقاومة الأخير على ساحل الوسطى، بعد سلسلة معارك دامية وعنيفة حتى عام 1928، وظلت منتجعات المجاهدين وقواتهم مرابطةً هناك بجبال الهروج، حتى وصلت إليهم الجيوش الإيطالية محاصرة لهم، واعتقلتهم وبدأت بالترحيل القسري للأهالي والعائلات. كما فقد ابنيه الاثنين ومجموعة من أفراد عائلته ضحايا الاعتقال والتعذيب والترحيل، بمعتقل العقيلة الرهيب سيء الصيت، في الفترة ما بين 1929 إلى 1933.
لاحقاً وعقب تحرير مناطق برقة الليبية من قوات الاحتلال الإيطالي بعد الحرب العالمية الثانية، اُنتدب عضواً للقضاء الشرعي لدى المحاكم الأهلية بمنطقة أجدابيا وخليج سرت عام 1949، إلى أن تُوفي عن عمر يناهز التسعين عاماً، ودُفن في مقبرة (بلدة العرقوب)، جنوب (مرسى البريقة)، بداية عام 1953.