الاختلاف أو الفرق هو مفهومٌ محوريّ في الفلسفة، يدلّ على العمليّة أو مجموعة الخصائص التي بها يُميَّز كيانٌ عن آخر، ضمن حقلٍ علائقيّ أو ضمن نظام مفاهيمي مخصوص. ويُفهَم من لفظ "الاختلاف" هنا لا مجرّد التباين الخارجي، لكن ذلك التوتّر البنيويّ الذي لا يُدرَك إلّا ضمن شبكةٍ من العلاقات، حيث لا يتحدّد الشيء بذاته فقط، وإنما بما ليس هو؛ أي بما يفتقده أو يَخرج عنه.
وفي الفلسفة الغربية، جرت العادة أن يُنظَر إلى الاختلاف كضدٍّ للـهوية، وذاك تأسّس على مبادئ لايبنتس، لا سيّما قانون تطابق اللامتمايزات، الذي ينصّ على أنّه لا يمكن أن يوجد كيانان متماثلان تمامًا من جميع الوجوه، وإلّا فهما شيءٌ واحد. وهنا، يُفهم "الاختلاف" بوصفه علامة نفيٍ للتماهي التامّ، أي أنّ وجود الفارق هو شرط وجود الكائن الآخر.
لكن في رؤى البنيوية ومابعد البنيوية، صارت الحقول العلائقية تعني أنّ الكيانات لا توجد كوحداتٍ منعزلة بل تُدرك في شبكةٍ من الفوارق والروابط فعدوا بذلك الإختلاف عنصرًا مُكوِّنًا للمعنى والهوية كليهما. فبدل أن يكون الاختلاف نفيًا للهوية، صار شرطًا سابقًا لها. أي أنّ الهوية، وخصوصًا الهوية الشخصية، لا تُرى هنا كجوهرٍ ثابت، بل كـبنية إنشائية تتكوَّن عبر علاقة بالغير، عبر "الاختلاف" لا "المشابهة". وكذلك جعلوا المكون في هذا السياق لا يعني مجرّد عنصر داخلي، بل ما يُنتج المعنى ذاته ويَجعله ممكنًا، ما يُحيل إلى بنية تُنجب ذاتها من تمايزاتها، لا من تماثلاتها.
وبتعبيرٍ أدقّ، بما أنّ المعاني لا تُنتج في هذه النُّظُم إلّا عبر التفاعل بين الفوارق، لا عبر كينوناتٍ منعزلة، فإنّ كلّ هوية هي أثرٌ للتمييز. وبذا، لا يمكن القول بوجود الهوية من غير اختلاف؛ لأنّ "الذّات" لا تُبنى بدواخلها فحسب، بل بما تستبعده، أو تُفاضِل عنه، أو تُقيم مسافةً تأويليّة معه.