فهم حقيقة ابن خلدون

أَبُو زَيْدٍ وَلِيُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ خَلْدُونَ الحَضْرَمِيُّ الإِشْبِيلِيُّ المعروف بابْنِ خَلْدُونَ (732 - 808 هـ / 1332 - 1406 م) من علماء العرب والإسلام، برَع في علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والتخطيط العمراني والتاريخ، بنى رؤيته الخاصَّة في قراءة التاريخ بتجريده من الخرافات والروايات التي لا تتفق مع المنطق؛ ليكون أوَّلَ من طبَّق المنهج العلمي على الظواهر الاجتماعية. امتَهَن الكتابة في ديوان الرسائل في شبابه، وأصبح رسولًا بين الملوك في بلاد المغرب والأندلس، قبل أن يهاجرَ إلى مصر ويُقلِّدَه السلطان الظاهر سيف الدين برقوق قضاءَ المالكية. ترك مُراسلة الملوك وانصرف للدراسة والتصنيف وألَّف عددًا من الكتب من أهمِّها «كتاب العِبَر، وديوان المُبتدأ والخَبَر، في أيام العَرَب والعَجَم والبَربَر، ومَن عاصَرَهُم من ذَوي السُّلطان الأكبر» الذي عُرف اختصارًا بـ«تاريخ ابن خَلدون». ومقدِّمة هذا الكتاب الشهيرة بـ«مقدِّمة ابن خَلدون» التي تعد كتابًا مهمًّا بذاتها.

وُلد ابن خلدون في تونس زمن الدولة الحفصية، وقضى بها طفولته قبل أن يبدأ تنقله بين المُدن في المغرب العربي وبلاد الأندلس، واعتكف وهو بالمغرب للدراسة، وأنهى مقدمته الشهيرة قبل هجرته إلى مصر، ومنها توجَّهَ لأداء فريضة الحج. دخل وسيطًا لحقن الدماء بين أهالي دمشق وجيوش تيمورلنك، فكان ضمن القضاة المُرافقين للسلطان المملوكي الناصر زين الدين فرج. في دمشق نزل بالمدرسة العادلية وأقام بها حتى أتمَّ مهمَّته. فيما عدا هاتين الرحلتين لم ينقطع عن مصرَ، وكان مُعلِّمًا في إحدى مدارس المالكية بالقاهرة وهي المدرسة القمحية، وكذلك في المدرسة الظاهرية البرقوقية عقب تأسيسها. في أثناء دراسته لأحوال الشعوب والمجتمعات اكتشف ابن خَلدون علم العمران البشري، وهو مُلخَّص حياة الدول وما تصل إليه من ازدهارٍ ثم اضمحلال، ويهدف هذا العلم إلى دراسة أحوال الناس في أوضاعهم المعيشية والسياسية والدينية والاجتماعية وَفقَ رؤيةٍ علميةٍ وتأريخ صحيح للمجتمعات بإبعاد التأثيرات الخارجية لآراء المؤرِّخين الشخصية.

لمؤلفات ابن خَلدون أثرٌ كبير في الفكر العالمي؛ إذ يُعدُّ أولَ من درس نشوء الدول وتفكُّكها، وَفقَ رؤيةٍ كاملة شملت النظُم السياسية والاجتماعية والسياسات الاقتصادية والنقدية، إضافة لمستوى التقدُّم في العُمران المدني، هذه الأفكار جعلت منه شخصيةً مركزيةً في الدراسات المعاصرة له قبل انهيار الحضارة الإسلامية، وشكَّل عند العجم منارةً علميةً في العلوم السياسية والاقتصاد فدُرست مؤلفاته وتُرجمت إلى عدَّة لغات. وأولُ هذه الدراسات كانت على يد جاكوب خوليو الذي تتبَّع فكر ابن خَلدون وألَّف كتابه المعنون رحلات ابن خلدون عام 1636، الذي تُرجم إلى اللغات اللاتينية والفرنسية واليونانية. يُعدُّ ابن خَلدون أوَّلَ عالمٍ دوَّن سيرته الشخصية كاملةً، نثرها في أجزاء تاريخه، مبيِّنًا ما عاناه في أثناء ولادة الممالك في المغرب العربي وتلاشيها، إضافةً لما رآه في مصر، ووساطته لدى تيمورلنك، ورحلته لأداء فريضة الحج.



قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←