نبذة سريعة عن أصول إترورية

في العصور الكلاسيكية القديمة، صِيغت أطروحات عديدة حول أصل الإتروسكان (الإتروريين) من القرن الخامس قبل الميلاد، حين كانت الحضارة الإترورية (الإتروسكانية) قد تأسست بالفعل منذ عدة قرون في أراضيها، ويمكن تلخيصها في ثلاث فرضيات رئيسة.

الأولى هي التطور المحلي (الأصلي) في الموقع عن الحضارة الفيلانوفية، كما ادعى المؤرخُ اليوناني ديونيسيوس من هاليكارناسوس الذي وصف شعب الإتروسكان الأصليين الذين لطالما عاشوا في إتروريا.

أما الثانية فهي الهجرة من بحر إيجة، كما ادعى مؤرخان يونانيان اثنان: هيرودوت الذي وصفهم بأنهم مجموعة مهاجرين من ليديا في الأناضول، وهيلانيكوس من لِسبوس الذي ادعى أن التيرهينيين هم البيلاسجيون الذين تعود أصولهم إلى ثيساليا، اليونان، الذين دخلوا إيطاليا عند رأس البحر الأدرياتيكي في شمال إيطاليا.

ذكر ليفيوس وبلينيوس الأكبر الفرضية الثالثة، التي تضع الإتروسكان في سياق الشعب الرائيتي في الشمال والشعوب الأخرى التي تقطن جبال الألب.

كان أول مؤلف يوناني يذكر الإتروسكان، الذين أطلق عليهم الإغريقُ القدماء اسمَ التيرهينيين، هو الشاعر هسيودوس في القرن الثامن قبل الميلاد في قصيدته ثيوغونيا (أنساب الآلهة). وقد ذكر أنهم يقيمون في وسط إيطاليا إلى جانب اللاتينيين. أشارت ترنيمة هوميروس لديونيسوس في القرن السابع قبل الميلاد إليهم على أنهم قراصنة. وعلى عكس المؤلفين اليونانيين اللاحقين، مثل هيرودوت وهيلانيكوس، لم يُشِر هذان المؤلفان اليونانيان إلى أن الإتروسكان قد هاجروا إلى إيطاليا من مكان آخر.

وفقًا لعلماء الآثار والأنثروبولوجيا، وعلماء الإتروسكان، وعلماء الوراثة واللسانيات (اللغويات) المختصين بفترة ما قبل التاريخ وفجر التاريخ، فإن كل الأدلة التي جُمعت حتى الآن تشير إلى أصل محلي للإتروسكان. علاوة على ذلك، لا يوجد دليل أثري على هجرة الليديين أو البيلاسجيين إلى إتروريا. لم يبدأ الكُتّاب اليونانيون بربط اسم «التيرهينيين» مع «البيلاسجيين» أو «الليديين» إلا في القرن الخامس قبل الميلاد، بعد تأسيس الحضارة الإترورية لعدة قرون. هناك إجماع بين العلماء المعاصرين على أن هذه الروايات اليونانية لا تستند إلى أحداث حقيقية. يعود أقدم دليل على وجود حضارة يمكن اعتبارها إتروريةً إلى العام 900 قبل الميلاد تقريبًا: إنها فترة الحضارة الفيلانوفية في العصر الحديدي، التي تُعد المرحلة الأولى من الحضارة الإترورية، والتي تطورت بدورها من الحضارة الفيلانوفية البدائية السابقة لها في العصر البرونزي المتأخر في نفس المنطقة، وهي جزء من نظام حضارة أورنفيلد في أوروبا الوسطى.

حظي تصنيف هيلموت ريكس للغة الإترورية ضمن العائلة التيرهينية –إلى جانب الرائيتية واللِّمْنية– بدعم من علم اللسانيات المقارنة. في حين اقترح اكتشافُ نقوشٍ لِمنيةٍ ذات مرة في عام 1885 احتماليةَ حدوث هجرة من الشرق إلى الغرب، فإن التقييمات اللغوية والأثرية الأحدث تُجادل بدلًا من ذلك بحدوث انتشار من الغرب إلى الشرق. يفسر علماء مثل والاس (2010) وسيمون (2021) وتشياي (2024) اللغةَ اللِّمْنية على أنها لهجة أو مشتقة من اللغة الإترورية التي أُدخلت إلى الجزيرة من خلال الاتصال البحري، ربما عبر قطاع تجاري إتروري، بدلًا من وجود دليل على أصل مشترك أو حركة سكانية، كما جادل غراس وَدي سيمون وَدروز في السابق.

خلصت إحدى دراسات الحمض النووي المُتقدِّريِّ (دنا المتقدرة mtDNA) التي نُشرت في عام 2013 إلى أن دنا المتقدرة الخاص بالإتروسكان يبدو مشابهًا جدًا لذاك الخاص بسكان العصر الحجري الحديث في أوروبا الوسطى وشعوب توسكانية أخرى. يتوافق هذا مع اللغة الرائيتية، التي تحدث بها الناس جنوب جبال الألب وشمالها في منطقة حضارة أورنفيلد في أوروبا الوسطى. تنحدر الحضارة الفيلانوفية، وهي الفترة المبكرة من الحضارة الإترورية، من الحضارة الفيلانوفية البدائية التي تفرعت من حضارة أورنفيلد حول عام 1200 قبل الميلاد. اقترح كافالي سفورتزا سابقًا احتمالية أنهم سكان أصليون خضعوا للتنوع الوراثي (التباين الجيني).

حلّلت دراسةٌ وراثية أُجريت في عام 2019 ونُشرت في دورية ساينس الدنا الجسميَّ (الدنا المحمول على الصبغيات الجسمية) لإحدى عشرة عينة من العصر الحديدي من المناطق المحيطة بروما، وخلصت إلى أن الإتروسكان (900-600 قبل الميلاد) واللاتينيين (900-200 قبل الميلاد) من منطقة لاتيوم ڤيتوس كانوا متشابهين وراثيًا، وأنه كان للإتروسكان أيضًا سلف مرتبط بالسهب (رُعاة السهب الغربي) على الرغم من تحدثهم بلغةٍ ما قبل هندوأوروبية.

حللت دراسة وراثية أُجريت في عام 2021 ونُشرت في دورية ساينس أدفانسِس الدنا الجسميَّ لثمانية وأربعين فردًا من العصر الحديدي من إقليمَي تُسكانة (توسكانا) ولاطيوم (لاتسيو)، وأكدت أن الأفراد الإتروسكان قد أظهروا مكوّن السهب السلفيّ بنفس النسب المئوية الموجودة في لاتينيّي العصر الحديدي الذين خضعوا للتحليل سابقًا، وأن الدنا الخاص بالإتروسكان يفتقر تمامًا إلى أي إشارة على وجود اختلاط حديث مع الأناضول أو شرق المتوسط، وخلصت إلى أن الإتروسكان كانوا سكانًا أصليين ولديهم بصمة وراثية مشابهة لجيرانهم اللاتينيين. انضم كل من الإتروسكان واللاتينيين بصورة راسخة إلى المجموعة الأوروبية (العنقود الأوروبي)، فقد وُجد أن 75℅ من الذكور الإتروسكان ينتمون إلى المجموعة الفردانية آر1بي-إم269 (R1b-M269) وفئاتها الفرعية، وخاصة آر1بي-بّي312 (R1b-P312) والفئة الفرعية المشتقة منها آر1بي-إل2 (R1b-L2) التي كان سلفها المباشر آر1بي-يو152 (R1b-U152)، في حين أن المجموعة الفردانية المتقدّرية (لدنا المتقدرة) الأكثر شيوعًا بين الإتروسكان كانت المجموعة الفردانية إتش (H).

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←