إتقان موضوع أحمد بن فضلان

أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمَّاد البغدادي (تاريخا الميلاد والوفاة غير معروفين) هو عالم مسلم ورحالة من القرن العاشر الميلادي، يُشْتَهَرُ ويُعْرَفُ حصرًا من رحلته مع سفارة للدولة العباسية إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولغا) في سنة 309 هـ (921م). دوَّن أحمد بن فضلان تفاصيل رحلته في كتابه: «رسالة ابن فضلان: في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة»، وهي رحلةٌ نالت حصَّة ضخمة من البَحْث والدراسة على مر السنين لتميُّزها في وصف شعوبٍ عديدة في بلدان وسط آسيا وروسيا بحقبةٍ لم تتوفَّر فيها أي شهاداتٍ عيانٍ أخرى عن تلك الشعوب، وخصوصًا عن الفايكنغ وعاداتهم في دَفْن الموتى.

أحمد بن فضلان ليس معروفًا بشخصه من أي مصدرٍ تاريخي ما عدا رسالته. فالمعلومات الوحيدة المعروفة عنه هي اسمه الكامل كما ورد في الرسالة، وموقعه مولى سابقًا لشخصٍ في حاشية الخليفة العباسي، ودوره في الرحلة نفسها كما وثَّقه بقلمه، ولم يقع الباحثون -عدا عن ذلك- على أي ذكرٍ له في كتب التراث غير ما اقتُبِسَ ونُقِلَ عن نص رسالته. ويَظْهَرُ أن ابن فضلان كان ضليعًا بالدين الإسلامي ورجل علمٍ وثقافة، ويتكهَّن البعض بأنه كان مولى فارسيًا رغم إتقانه للغة العربية، وأما منصبه وتفاصيل حياته وحتى عُمْرُه فتبقى أمورًا مجهولةً تمامًا. ولم تَكُنْ رحلة ابن فضلان نفسها معروفةً -في السابق- إلا من نقولاتٍ جزئية وردت في كتب الجغرافيِّين المسلمين، وذلك حتى اكتُشِفَتْ في سنة 1924 م مخطوطة مُطوَّلة لرسالته في مدينة مشهد الإيرانية، وما تزال هذه المخطوطة هي النصَّ الأكمل المعروف لرسالة ابن فضلان (ولو أن بعض الباحثين يشكُّون في أنها النص الأصلي والكامل للرسالة).

في سنة 309 هـ (921م)، كَلَّفَ الخليفة العباسي المقتدر بالله أحمد بن فضلان بالانضمام إلى سفارةٍ وجهَّها من عاصمته بغداد إلى مدينة بلغار (حاليًا في دولة روسيا)، وهي آنذاك عاصمة دولة الصقالبة أو بلغار الفولغا. كان السَّبب في إرسال هذه السفارة جوابًا على طلبٍ من حاكم الصقالبة ألمش بن شيلكي، الذي أشهر إسلامه حديثًا وقتذاك، وأراد إقامة حلفٍ مع الدولة العباسية يعينه في مقاومة سطوة دولة الخزر اليهود الذين فرضوا عليه التبعيَّة لهُم. كان هدف السفارة أن تَحْمِلَ إلى حاكم الصقالبة هدايا وأموالاً ليبني فيها مسجدًا وحصنًا يحتمي به من هجمات الخزر، وأن يرافقها فقهاء ومُعلِّمون يُلقِّنون أهل بلغار تعاليم الإسلام، ولم تتحقَّق هذه الأهداف كاملةً لأسباب عِدّة؛ رغم نجاح السفارة في الوصول إلى بلغار بعد رحلة استغرقت نحو عام.

تصف رسالة ابن فضلان شتى الشعوب والبلدان التي قابلها أثناء رحلته من بغداد إلى بلغار. ففيها أوصافٌ مُفصَّلة لعبوره مدنًا إسلامية منها: بخارى وخوارزم وجرجانية، وأوصافٌ نادرةٌ جدًا لشعوب منها: الأتراك الغُزِّية وغيرهم من الشعوب التركية غير المسلمة حينذاك في غرب السهوب الأوراسية، والصقالبة أو البلغار الذين قصدهم ابن فضلان في رحلته، والخزر الذين ربما يكون ابن فضلان قد عبر بلادهم في طريق عودته، و"الروسية" أو الفايكنغ، الذين يُعْتَبَرُ وصفه لهم ذا أهمية خاصَّة لأنه من أوائل الأوصاف الواردة في التاريخ للتجار الإسكندنافيين في بلاد روسيا الحالية، ولأنه يتضمَّن وصف شاهد العيان الوحيد المعروف لطقوس الفايكنغ في الدَّفْن بالسُّفُن، أي بإحراق جثمان الميّت داخل سفينة.

نالت رسالة ابن فضلان نصيبًا كبيرًا من الاهتمام والبحث والدراسة منذ القرن التاسع عشر، وتجدَّد الاهتمام فيها بقُوَّة منذ اكتشاف مخطوطة مشهد، بل وامتدَّ إلى الثقافة العامة، فاشتُقَّت عنها أعمال أدبية وسينمائية من أشهرها: رواية أكلة الموتى والفلم الأمريكي المشتقِّ عنها المحارب الثالث عشر، إضافةً إلى المسلسل السوري سقف العالم. بل وتكتسب الرحلة أهميةً خاصةً في إقليم تتارستان الذي تقع فيه حاليًا مدينة بلغار الروسية، إذ يُحْتَفَى فيها سنويًا بذكرى وصول ابن فضلان إلى المدينة في 14 مايو سنة 922 م.

قراءة المقال الكامل على ويكيبيديا ←