يُعد كتاب "أتحدث عن المدينة" (I Speak of the City) أحد النصوص الشعرية–الفكرية التي تعكس عمق التجربة الحضرية كما رآها الفيلسوف والشاعر المكسيكي أوكتافيو باث، الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1990. في هذا النص، لا يتعامل باث مع المدينة باعتبارها مكانًا جغرافيًا أو فضاءً عمرانيًا فقط، بل ككائن حي، نابض، غامض، يعيش ويمرض ويحلم ويحبط. إنها الكيان الذي يشكّل الإنسان كما يشكّله، ويحتويه كما يلفظه. ينتمي النص إلى نمط القصيدة–التأملية، حيث تتداخل الأبعاد اللغوية والفلسفية والشعورية، ويعبر من خلالها أوكتافيو باث عن حالة الوجود الإنساني المعاصر، الذي وجد نفسه محاصرًا بين جدران الزحام، ووحيدًا وسط الحشود، تائهًا في متاهة الزمن المتكرر والمباني العملاقة والأضواء الباردة. المدينة هنا ليست مجرد مسرح، بل هي البطل الحقيقي، الذي لا يتكلم لكنه يُسمع، لا يتحرك لكنه يغير، لا يموت لكنه يدفن أحلام الملايين.
في "أتحدث عن المدينة"، يُقدِّم أوكتافيو باث تجربة شعرية غنية، قائمة على التناقضات: بين الضجيج والصمت، بين الازدحام والوحدة، بين المقدس والعابر، بين التكرار والدهشة. وهي تجربة تشبه المدن الحديثة ذاتها: مرآة مشروخة تعكس الإنسان ومآلاته. من خلال هذا النص، يتجاوز باث الأدب ليقدّم نصًا إنسانيًا عالميًا يُلامس جوهر التجربة البشرية في القرن العشرين، ويستمر صداه حتى اليوم.